|
قاعدة الحدث ما دفعهما إلى التدخل في شؤون السودان والتآمر عليه، لأجل السيطرة عليه وإخضاعه، بهدف الإمساك بالخاصرة الجنوبية للأمن القومي العربي بحيث يصبح الاختراق الأميركي الصهيوني أوسع وأكبر لأمن الأمة العربية، وكذلك القدرة على التأثير في شؤونها الداخلية، والتحكم بمجرى نهر النيل الحيوي والمهم بالنسبة لأمن مصر بحيث تستطيع إسرائيل وأميركا استخدام ذلك سلاحاً لإبقاء مصر خاضعة للهيمنة والسيطرة الأميركية الإسرائيلية، ومنع السودان من استغلال ثرواته والتحول إلى دولة إقليمية كبرى تملك كل مقومات الاستقلال الوطني والاقتصادي والقدرة على التأثير في مجريات الأحداث في غير مصلحة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة. فحكم المحكمة الجنائية الدولية في حق الرئيس السوداني عمر البشير ما هو إلا بداية لتنفيذ المؤامرة على السودان, والذي نسج خيوطها أباطرة الغرب منذ زمن بعيد لتحقيق حلم احتلال السودان وكل البلاد العربية, ولأجل السيطرة والتدخل فيه ابتدعت أميركا وإسرائيل مجموعة من التهم الجاهزة لكي تكون ذريعة لاحتلال البلاد, وهذه التهم مثل دعم «الإرهاب, وانتهاك حقوق الإنسان, العمل على امتلاك أسلحة دمار شامل», وهذه المبررات استخدمت من قبل من أجل احتلال العراق، وتستخدم اليوم من أجل احتلال السودان ونهب خيراته. سياق الخطة الأميركية الإسرائيلية لتقسيم السودان تم وضعها موضع التنفيذ منذ توقيع اتفاق «ماشاكوس» في كينيا بين الحركة الشعبية لتحرير السودان، والحكومة السودانية تحت مظلة هيئة «إيغاد»، وبدعم أميركي كامل، فسيف العقوبات المفروضة على السودان ظل مسلطاً إلى أن يتم إنجاز هذه الخطة، ومن ثم يجري الانتقال إلى الخطوة الثانية الهادفة إلى تصعيد عملية الضغوط المترافقة مع تسعير وتغذية الصراعات العرقية في دارفور، وصولاً إلى خلق الظروف المشابهة لفصل إقليم دارفور على غرار الجنوب، بحيث يؤدي ذلك إلى إضعاف الحكم المركزي في السودان ويسهل معه تغذية الانقسامات، والصراعات في جنوب كردفان الواقعة بين الشمال والجنوب، والتي تتميز بوجود عرقي وقبلي شمالي وجنوبي، ولها حدود مع ثلاث ولايات جنوبية، وفيها منطقة أبيي الغنية بالنفط وجبال النوبة، وكذلك تسعى الخطة الأميركية لفصل وسلخ الأقاليم، والمناطق في الشرق وأقصى الشمال حيث توجد فيها الصراعات والحركات العنصرية الانفصالية. إن هذا الهدف الأميركي واضح من خلال ما قالته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون «لو أن الاستفتاء تم في كانون الثاني فنحن لن نقبل أي نتيجة عدا نتيجة الانفصال»، فالاستفتاء مجرد عملية شكلية لإضفاء الشرعية القانونية على الواقع الانفصالي. فقد نجح مخطط الانفصال وحرصت الإدارة الأميركية أن تتم عملية التسجيل والاقتراع دون مشاكل وجاءت النسبة للانفصال عالية جداً، أدهشت أهل الحركة الشعبية خاصة في جنوب السودان.. حيث أكدت العديد من المنظمات التي شهدت وراقبت العملية أن هناك كثيراً من التجاوزات حدثت في التصويت إذ إن غالبية أهل الجنوب يعانون من الأمية.. وأن هناك مناطق يصعب الوصول إليها. وفي هذا الإطار يقول السفير الأميركي السابق في الخرطوم دونالد باترسون: «إن مصالحنا الذاتية في السودان ليست جيو/بوليتيكية، وليست جيو/إستراتيجية، وهي في كل الأحوال ليست مصالح آنية، وإنما مصالح على المدى البعيد وطبعاً شعارات الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والحريات لا تعدو سوى شعارات براقة تطلقها واشنطن تجاه البلدان التي تسعى إلى احتلالها واستعمارها. ويكشف الوزير السابق للأمن الداخلي الصهيوني «آفي ديختر» عن هذا الهدف الأميركي الإسرائيلي بشكل واضح بقوله «السودان بموارده، ومساحته الشاسعة، وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية قوية منافسة لدول عربية رئيسية مثل مصر، والعراق، والسعودية، لهذا سعت إسرائيل إلى تفتيته لقطع الطريق على احتمالات قيام دولة إقليمية قوية»، مؤكداً أن جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل تبنوا الخط الاستراتيجي في التعاطي مع السودان الذي يرتكز على تفجير بؤر وأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب، وفي أعقاب ذلك في دارفور. وحقيقة الدور الإسرائيلي وخطورته في دعم الحركة الشعبية في الجنوب تدريباً وتسليحاً، وتشجيعها، وتحريضها على الانفصال وعرقلة أي حل يحفظ وحدة السودان، وهو ما أماط اللثام عنه العميد الإسرائيلي المتقاعد موشيه فرجي حيث قال: «ورأت إسرائيل إن الخطر الذي يشكله السودان بالنسبة لإسرائيل يشبه إلى حد كبير الخطر الذي كان يمكن أن يشكله العراق». ويضيف: «يجري التركيز على البنيان العرقي، والطائفي، والمذهبي ليصبح السودان عاجزاً عن القيام بأي عمل ضد إسرائيل، أو تقديم الدعم ضدها لدولة بحجم مصر، إذ رأت إسرائيل توسيع إستراتيجيتها المخصصة للقرن الإفريقي بحيث يدخل إلى صميمها الموقف من جنوب السودان، وبدأت التحرك فوراً لدعم كل الحركات الانفصالية التي تهدد الحكومة المركزية في الشمال». وتابع فرجي: «الدعم الإسرائيلي كان عسكرياً، وتلقت الحركة الكثير من الأسلحة والرصاص، والأقمار الصناعية الإسرائيلية ساهمت في تقديم المعلومات حول انتشار القوات الحكومية في الجنوب، وحركة التمرد طلبت عام 1992 أربعة ملايين طلقة لمدافع رشاشة وخمسة ملايين دولار». وممثل حركة تحرير السودان في تل أبيب آدم بشر يؤكد هذه العلاقة الوطيدة التي تربط حركته بإسرائيل، بما يؤشر إلى مدى التغلغل الإسرائيلي في السودان، . |
|