تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حرية مخادعة

آراء
الخميس 23 -6-2011
هيفاء بيطار

التقيت في أحد البرامج الثقافية، امرأة جميلة وطموحة تعد لدكتوراه في الصحافة ولديها طموح كبير،كانت امرأة جميلة في عقدها الثالث، أم لطفلين أحدهما في الرابعة من عمره والآخر في السادسة من عمره، قالت لي إنها وفقت بزواجها من رجل لا ينتقدها ولا يحاسبها بل يسمح لها أن تسهر مع أصدقائها كل أسبوع ولا تعود إلى منزلها إلا فجراً بعد أن ترقص وتلهو وأحياناً تعود ثملة!.

وحين سألتها عن طفليها اعترفت أنها مقصرة معهما، لكن لديها من يعتني بهما، وبأنها يجب أن تدفع ثمن طموحها وتحقيقها لذاتها على حساب أسرتها وخاصة أطفالها..‏

ليست هذه السيدة حالة فريدة، بل لاحظت منذ سنوات بروز شريحة واسعة من النساء الشرهات لتحقيق ذواتهن دون أن يلتفتن للأضرار البالغة التي يلحقنها بأسرهن.. بل إن العديد من الأمهات يعتقدن أن دورهن يكون في ترفيه أولادهن وتأمين حاجاتهم المادية..‏

العديد من النساء المهووسات ببريق النجاح والشهرة يضحين بأولادهن من حيث لا يدرين، صارت المرأة تنافس الرجل في احتلال مناصب مهمة، أعرف طبيبات يقضين معظم وقتهن في العيادة، وحين يرجعن إلى بيوتهن متهالكات من التعب لايكدن يستطعن أن يطبعن قبلة ما قبل النوم على خدود أطفالهن، بل إنهن يتحولن إلى شرطي في البيت فلا يتحدثن إلى أولادهن إلا بلهجة الأمر لأن العمل قد استنزفهن.‏

وأعتقد أن ولع الأطفال والمراهقين بالتلفاز والانترنيت لا يعود لجاذبية هذه الأدوات بل لنقص عاطفي عميق يشعرون به، ولأن أمهم لم تعد مصدر الحنان والحب الذي به ينمو الطفل ويكون صحيح النفس والعقل..‏

لست أنكر حق المرأة في تحقيق ذاتها، وأن يكون لديها مشروعها الحياتي وأن تبحث عن تميزها في المجتمع، وأن تفرح بإنجازاتها لكن عليها ألا تسمح لأضواء النجاح أن تعمي بصيرتها عن قدسية دورها في الحياة كأم.‏

إن جوهر الأمومة وعظمتها هي في ذلك الحب المتدفق الذي لا ينضب من الأم إلى أولادها، حب الأم هو الذي يجعل الطفل متوازناً وسوياً وسعيداً وهو الذي يقيه من كل أشكال الانحرافات التي نراها هذه الأيام.‏

وللأسف فإن الكثير من الأمهات لا ينتبهن لأهمية أن يكن نبع الحب والحنان الدائمين لأولادهن فيتغيبن عن البيت لساعات طويلة وينشغلن عن أولادهن بمشاريع عديدة معتقدات أن أولادهن بخير مادام هناك خادمات أو جدات يعتنين بهم.‏

قالت لي إحدى الأمهات التي تقضي كل وقتها في العمل وتعود إلى البيت مساء إنها لم تعد تحتمل كلام ابنها، تتذمر منه حين يناديها ماما أكثر من عشرين مرة ويسأل أسئلة لا معنى لها.‏

لم تستطع تلك المرأة أن تدرك أن ابنها يعبر عن ألمه وشوقه وحاجته لحبها وحنانها بهذه الأسئلة وبكلمة ماما التي يرددها كابتهال لأم تهمله ولا تشعره بحبها..‏

ثم أي حرية مخادعة تلك التي تتباهى بها (س) التي تسهر كل أسبوع في نواد ليلية، ترقص وتمرح مع أصدقائها وبموافقة زوجها المتحرر.‏

سأسمح لنفسي أن أقول إنه متحرر من حبها- وتعود إلى البيت فجراً.. هل هذه هي الحرية التي تطمح لها النساء!‏

لا معنى لنجاح يكون ثمنه تعاسة طفل أو انحرافه، لاشك في أن من حق المرأة أن تنجح وتبدع في عملها لكن عليها أن تنجح في المعادلة الصعبة، أن توازن بين طموحها وعطائها لأولادها، العطاء الوحيد الحقيقي هو الحب والاهتمام وقضاء الوقت مع الأولاد.. كما يقول المثل الصيني: إذا أحببت شخصاً فأهده وقتك.‏

لعلنا يجب أن نعيد تعريف النجاح وخاصة نجاح المرأة.. فالنجاح الذي ثمنه تعاسة الطفل وحرمانه من الحب وانحرافه، ليس نجاحاً بل فشل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية