تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوساطات المشتبه بها؟!؟

آراء
الخميس 23 -6-2011
حسين عبد الكريم

كنت أخشى أن يتهور القلب باليأس وبعض الأحزان اليابسة مثل شجيرات قصيرة الجذور، وسط عطش محكم.. ومع هذه الخشية تخوفت أن يتوقف الوجدان عن مزاولة مهنة (الوجدنة) وتأليف خلطات الفرح البلدي البديعة مثل أعناق زهرات برية تلملمها بعناية فائقة امرأة من مطر ورياح ووطن ..

حرفة اليأس أسوأ حرفة عرفتها الإنسانية.. وخلطات العشق والوطن والبساطة المثمرة أرقى يحترفها الوجدانيون الطيبون .‏

إسكافي حارتنا تجاوز الستين من أشواقه وزيجاته وخيباته.. يخطئ مرة في حسابات المسامر فسقط في عتابات النعل واتهامات الأقدام لكنه بعد قليل من الهمة والتأني الجيد ينجح في تدبر قدمي امرأة، من عامة العاشقات، فيعلو في نظر رغباتها ومسامير اهتماماتها، وتوليه رقة تفوق رقتها الأخرى تجاه آخرين عديدين مروا بحذائها، دون نجاح يذكر، في مجال استلطاف خطاها وجذب دربها وتبادل أطراف الحديث مع أنوثتها الماثلة للغزل وعافية الشهوات..‏

هذا الجار المصلح للأحذية ، يبرع في الاستيقاظ المبكر، ومباغتة الصباح بخطواته، كي يسبق إلى اختطاف دهشة امرأة أو قطف رغبة من رغباتها السارحة، كدجاجات في أعالي قرية يافعة ..‏

ليست جميع النساء تطلق رغباتها للتنزه والرعي في كروم تالية أو مقابلة لكرومها.. بعض النساء تغض الطرف عن نداءات جسدها.. تترك له أن يصيح وينادي مثل ديك وراء باب وصياح.. ماذا يمكنه أن يفعل سوى الصياح؟!؟‏

والمرأة حين تقفل باب الجسد على النداءات، ماذا يمكنه أن يفعل سوى الحزن والكلمات المستترة؟!‏

فرحة الجسد التي يتم القبض عليها بالعشق المشهود أكبر شأناً من أي فرحة نتعامل معها، ونحاول الإمساك بها عن طريق التسلسل ...‏

الكذب على الجسد‏

ثقافة الجسد المكتسبة محشوة بالأكاذيب والتأويلات المعتمة مثل قبو ملتبس بالخفاء وقلة الضوء، ومثل متوعك ذهنياً بأفكار متشحة بالسواد..‏

نخرج إلى أجسادنا بالكثير من الوعود الوهمية، ولا نفاتح حواسنا بحاجاتنا وحياتنا.. ونبقى هكذا إلى أن تضل عنا حواسنا وتنسانا من رعايتها، فنصير بشراً مهملين من طاعة حواسنا واهتمامها..‏

ونركن الحب كخابية زيت قديمة ملوثة بعمرها وسنوات الهجر والنسيان.. وأحياناً نستهتر بأي توق لدينا كما نفعل بقميص غادرته قامته، وعاث القهر بخيطانه وعراه تمزيقاً وقطيعة..‏

كل جسم يقول حكمته ويمضي.. وحين يهطل عليه مطر الكذب كثيراً، يمضي بلا حكمة أو مقولات مؤثرة، مثل البخلاء الذين يمنون على الدنيا بالبخل .‏

الجسد المحاصر بالغدر ولعنة الأحزان الجرداء، تصبح لغته ورؤاه نافقة مثل حصان مريض، خطفه الموت إلى الموت..‏

أجمل امرأة قد لا يصل من بلاغة جسدها إلا اللغو وعلامات الترقيم والفواصل وهمزات القطع.. وعلى العاشق أن يتلقى لغط جسد الحبيبة.. والقلق الكبير في أن يحفظ قصائد خصرها ونسمات جدائلها وروحها، وقوافيها وموسيقاها بكامل الأخطاء والعثرات ، دون المضي حباً إلى المحفوظات الجميلة والعذبة والراقية التي عند الخصر ومنحنيات الوجد والوجدان وتمتمات وتحيات البال المتحالف مع أناقة وألق غناء الجسد..‏

المرأة الرقراقة كنبع وجودها متكامل بالمحكية والفصحى والنثر والشعر والخطب المطولة والرسائل والخواطر ..‏

النساء الحبيبات أعمال شعرية كاملة‏

لا يمكن للحبيب أن يضيف سوى الانطباعات والدلالات.‏

والقراءة المبتكرة.. لا يمكن للقبلة الحنونة وكلمات الغزل الطازج، أن تتم مثل الأوامر الإدارية عن طريق التسلسل.. وتصوري أيتها الحبيبة:‏

الأوامر لا تكتفي بأنها أوامر، بل تختصر الحروف والكلمات: ع - ط- التسلسل.. بين القلب والقلب الكثير من الممرات السفلية والأبواب المباشرة مثل غيمة تقول مطرها كل لقاء..‏

القلب يستمد اسمه من التلفت والانعطافات الحادة وراء الجريان، إلا أنه لا يقيم وزناً للوساطات الغرامية والمجاملات.. القلب لا يمكن أن يكون سياسياً ودبلوماسياً ومجاملاً..‏

مثله مثل الينابيع، يتدفق دون تدقيق بمردود التدفق، وعائدات الضفاف.. القلب والنبع كلاهما عاشق دائم العودة إلى صباه وجريانه وعطائه.‏

حبيب قال لحبيبته: أحب الصلة التي بين شفتيك وشفتي أن تكون بلا وساطة وصباغ وعمليات تجميل، مثل صلة القربى التي تجمع العشب بالمطر والطائر بالغصن، والحسن بالدهشة.‏

هل رأيت يوماً طائراً يكذب على الغصن؟ والغصن أيضاً لا يكذب على الطائر.. يهتف بأعلى أغانيه العصفور.. والغصن يتلقى الأغاني بكل اخضراره وأوراقه وثماره .‏

المجاملات فن تجاري مثل اللوحات التجارية المنقولة عن لوحات أخرى.. أما الحب فهو الصدق والصفاء، اللذان يمارسهما القلب والنبع والشفاه والضفاف.. بـ خلطة حب ورغيف كرامة نحيا دون الرجوع إلى المجاملات والوساطات المشبوهة ...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية