|
آراء نحن نعيش الآن بين مجموعة من الكذبة، الذين يؤلفون المشاهد المفبركة على أنها حقيقة ما يجري في هذه العبثية التي نشاهدها على أرض الوطن، والغريب أن الأقنية التلفزيونية تصدق هذا الكذب على أنه من الواقع، وأنه يحدث فعلاً. الإنسان الحقيقي.. الإنسان الصادق، النبيل، الفارس، هو بنفسه يكتشف الحقيقة، ويعرف الصدق من الكذب ولكن للأسف أصبح الكذبة أكثر من الصادقين، يذكر أن رجلاً دق على أبي نعيم الحكيم الباب، فقال: «من ذا؟ قال: أنا، قال: من أنت ؟ .. قال: رجل من ولد آدم، فخرج إليه أبو نعيم وقبله وقال: مرحبا وأهلاً، ما ظننت أنه بقي من هذا النسل أحد..». الصوفي ماجد الكردي أشار : «وما خلق الله من عجيبة إلا ونقشها في صورة الآدمي. ولا أجد أمراً غريباً إلا وسلكه فيها، ولا أبرز سراً إلا وجعل فيه مفتاح علمه. فهو نسخة مختصرة عن العالم.. أبو حيان التوحيدي قال فيما قال :« ولكني من البشر، ممزوج بالخير والشر». وما كان من المعروف - كما جاء في كتاب الحكمة، في أغلب البشر أن يخرجوا من طبائع الأنس إلى طباع الملائكة، وذلك على اعتبار ما قاله علي بن وفا الاسكندري : « من التفت إلى بشريته بالكلية حجب عن الحقائق الربانية، وسلبت عنه الحقيقة الإنسانية»، وقد عبر ابن سيده، في مقدمة كتابه المخصص في هذا الأمر بقوله : «نحن كلنا أشخاص يجمعنا نوع واحد لم يؤت من إدراك الأمور كبير قوة ولا جسيم منة، فهو يخطئ أحياناً ويصيب أحياناً، وأخطاؤه أكثر من إصابته، وظنه أغلب من يقينه، وعلمه أنقص من جهله . وذكر التوحيدي في بيانه عن آراء ابن يعيش في شأن «الإنسان» أن عمر هذا النوع الموسوم باسم «الإنسان» قصير، وعلم العالم كثير وسره مغمور (..) وإن الإنسان الباحث عن سر هذا العالم وعما يحتويه لمن شأنه أن يرفقه نظرة في ذاته على هشاشته وسرعة انكساره ، فيجد نفسه «ذا قوى متقاصرة، وموانع معترضة ودواعٍي ضعيفة.. مثل دواعي هؤلاء الظالمين، الذين يشترون ويباعون بالدولار لضعف نفوسهم، يبيعون الوطن بقرش من مصالحهم.. فأتذكر شهود العيان والصور الهاتفية تتكرر أمام عيني إنها وليدة الآن بينما هي وليدة ما قبل شهر أو شهرين، بل هي ملتقطة من أرض أخرى غير أرض الوطن. من يحمل السلاح بوجه أهله ووطنه فخائن بامتياز من يصوب الرصاص إلى صدر الجيش فخائن ومبيع بمتليك ويجب محاكمته على الفور بعد كشف مصادر تمويله ومعرفة الأسماء وإعلانها دون خوف أو وجل.. إن ملايين الدولارات توزع كل يوم على من لا يحملون صفة الإنسان، بل صفة الحيوان أعلى من مستواهم. إنهم وحوش بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، ويساق وراءهم السذج الذين لا يعرفون شيئاً عن الحقائق، وكما قال الشاعر الأندلسي يحيى بن الغزال: إذا أخبرت عن رجل بريء من الآفات ظاهره صحيح فسلهم عنه هل هو آدمي فإن قالوا نعم فالقول ريح ولكن بعضنا أهل استتار وعند الله أجمعنا جريح ومن أنعام خالقنا علينا بأن ذنوبنا ليست تفوح فلو فاحت لأصبحنا هروبا فرادى بالفلا ما نستريح وضاق بكل منتحل صلاحاً لنتن ذنوبه البلد الفسيح وهذا ينطبق على «نتن» هؤلاء ورائحتهم الكريهة، فللخيانة رائحة تزكم الأنوف.. وتعلن عن نفسها بالأصابع الخمسة، فهناك فرق بين البشرية وأخلاق البشرية ،لأن البشرية لا تزول عن البشر، كما أن لون السواد لا يزول عن الأسود . ولا لون البياض عن الأبيض، وأخلاق البشرية تبدل وتغير بما يرد عليها من أنوار الحقائق.. الوطن، قبل كل شيء ، هو الحقيقة الساطعة، ومن لا يضع نفسه تحت ظله فهو تحت ظل الكفر بالنعمة التي أنعم الوطن بها عليه . إن الإنسان هو شيء من «العلو» و «السمو» و «الكمال» وقد اختلفوا في مقدار ذاك «العلو» وهذا «السمو» : أيكون علواً وسمواً في حدود الممكن؟ أم يكون علواً وسمواً إلى حد المستحيل؟! وقد تعرف حكماء العرب إلى بعض آراء حكماء اليونان في «الإنسان» وكانت دائرة بين التقديس والتدنيس، إذ أورد ابن هندو، مثلاً، الرأيين معاً من جهة أولى : «قالوا لفندارس: ما الإنسان؟ قال : عطب العالم . ومن جهة أخرى : «سئل فندارس عن الإنسان، فكتب: متفقد من العالم... لذا ، نحن نعيش ، في هذه الفوضى المستشرية التي لا تكاد تمسك من هنا حتى تفلت من هناك ، إننا أمام نوعين من البشر، بل من الإنسانية. - الخيّر - والشرير ومهما بغى الشرير وطغى فلابد للخيّر أن ينتصر . |
|