|
ساخرة فهل من الضروري أن تكون للناس جميعاً الاهتمامات نفسها، بمشكلات الحياة والمجتمع والسياسة والثقافة؟ وهل من ضير في أن تتوزع اهتماماتهم مثلما تتوزع وتنقسم مياه الأنهار التي تروي الحقول والبساتين والحدائق؟. كان صاحبي يواصل قراءاته وهو يضحك وقال دون أن يرفع عينيه عن الصحيفة: تصور أن سيدة انكليزية أصدرت كتاباً دعته: بين الحمير- وقد بينت فيه أنها نذرت حياتها لرعاية هذه الفئة من البهائم، وهي تنتقل من بلد إلى بلد..بل من قارة إلى أخرى للاطلاع على الظروف التي تعيش فيها هذه السوائم وتقصي الحقائق عن أوضاعها.. تماماً مثلما يجري تقصي الحقائق.. في الشؤون الأخرى التي تهم بني البشر.. وفي هذه الأثناء أنشئت جمعية خيرية تهدف إلى توعية مالكي الحمير، خاصة.. في جنوب أميركا وأفريقيا.. بريجيت باردو تقاضي حماراً قلت: هذا ليس غريباً..حتى..عن تراثنا نحن.. وأذكر أني قرأت أن أحد الخلفاء ولعله عمر بن الخطاب، وبخ أحدهم أنه حمل الدابة أحمالاً فوق طاقتها.. وأمره أن يخفف عنها. وفي الأزمنة الحديثة أنشئت جمعيات هنا وهناك للرفق بالحيوان.. وهذه نجمة فرنسا السينمائية التي عدها الجنرال ديغول يوماً، جزءاً من ثروة بلاده القومية: بريجيت باردو.. تفرغت تماماً بعد أن اعتزلت التمثيل لرعاية شؤون الحيوانات، وقادت حملة عالمية لإيقاف المجازر التي يرتكبها صيادو «الفقمة» البحرية.. بما يرافقها من شراسة وبشاعة في قتلها.. وكانت الأخبار قد ذكرت قبل بضع سنوات أنها أقامت دعوى على أحد جيرانها، احتجاجاً على إقامة علاقة «غير عادية» بين حماره وأتانها..!! ظروف حمير أوروبا..لاتختلف؟! ولم أكد أفرغ من كلامي هذا، حتى رأيت صاحبي وقد ازداد ضحكاً على ضحك، حتى كاد ينقلب على قفاه.. ولكنه مالبث أن استعاد أنفاسه وعاد إلى الصحيفة، يتابع أخبار كتاب «بين الحمير» لتلك السيدة الإنكليزية ليقول: إنها اكتشفت أن ظروف الحمير في جنوب أوروبا سيئة، لاتختلف كثيراً.. عن أوضاع حمير العالم الثالث، وما رأته في إسبانيا أثار سخطها وغضبها، وجعلها تنقل عدداً من الحمير الإسبانية إلى مستشفاها في إنكلترا. بين الحمار الخشبي والحمار الحقيقي ومضى صاحبي في قراءته المستطرفة فقد حضرت هذه السيدة مهرجاناً شعبياً في إحدى القرى الإسبانية تقضي تقاليده باختيار أصغر حمار للمشاركة في إحدى المسابقات وذلك بأن يمتطيه أثقل رجل في ساحة القرية، بين الناس الذين يتصايحون ويطلقون المفرقعات قرب الحمار. لتجفيله وإجباره على الجري. وقد شكت إليزابيت س. وهذا اسمها إلى عمدة القرية، من هذا الجور وطالبت أن يستبدل حمار.. من خشب..بهذا الحمار الذي من لحم ودم..!! والأطرف من هذا كله أن السيدة اليزابيت قادت حملة في الصحافة، وقابلت سفير إسبانيا في جزر الضباب، فانتهت إلى تحقيق بغيتها واستبدال الحمار الخشبي بذلك الحمار القميء.. قلت:أهذه هي القصة كلها التي أضحكتك..؟ هل مساعدة الحيوانات..أهم؟! قال: إنني اضحك في الواقع من تفاصيل الخبر، غير أني من جانب آخر أستغرب اهتمام هذه السيدة وأمثالها بالحيوان، رغم أن في الأرض ملايين من البشر يشكون الجوع والفقر والمرض والجهل، وكل يوم تموت آلاف مؤلفة من أبناء العالم الثالث لنقص في الغذاء أو سوء التغذية.. أو لمرض فتاك مثل الكوليرا، التي وجدت لها موطناً آخر في العالم الثالث سوى الهند، هو أميركا اللاتينية.. أفما كان الأحرى بهذه السيدة وأضرى بها أن يساعدوا بني آدم هؤلاء، قبل أن يركزوا رعايتهم واهتمامهم على البهائم في البر والبحر والجو؟!! الصورة الإنسانية متكاملة قلت: على رسلك ياهذا فإن الكون واسع رحب، وفي الأرض متسع لكل الاهتمامات ويجب أن تعلم أن الصورة الإنسانية متكاملة وليس ثمة مايمنع من أن تنهض جماعات هنا وهناك للنضال ضد العنصرية وضد الاستغلال والفقر والمرض وفي الآن ذاته، يرى آخرون رسالتهم الإنسانية في رعاية الحيوانات والعناية بشؤونها وليست تلك المعادلة صحيحة: أن هؤلاء لم يجدوا مايهتمون به.. سوى الدواب..أضف إلى ذلك أن هذا الاختلاف هو شيء مفطور في أمزجة بني البشر.. ولم يقتنع صاحبي برأيي هذا، فعاد يضحك وهو يردد: بين الحمير.. بين الحمير ياله من كتاب!!. |
|