|
معاً على الطريق بنو اللقيطة من صرافة الذهب يوم الخميس الماضي السادس عشر من حزيران رحل يوسف الخطيب عن حياة زاخرة في مجال الإعلام والثقافة، رحل لكن آثاره الأدبية لا تزال تعيش في صدورنا وعلى رفوف مكتباتنا فقد أغنى المكتبة العربية بالنفائس لتشهد أنه شاعر كبير ملأ العصر. في الخامس من حزيران 1967 خرجنا من الامتحان فوجدنا الناس يغلون وكان صوت المذياع يعلو هنا وهناك وقالوا: قامت الحرب، فرحنا أننا نسترجع فلسطين، ذات مساء تابعت التلفزيون عند أحد الأقارب فأطل المذيع وقال في سياق الخبر:« وسقطت ذبابة أخرى» يعني (طائرة إسرائيلية) قال أحد الأقارب: هذا يوسف الخطيب المدير العام لهيئة الإذاعة والتلفزيون لم يكن أحد يدري هول الهجوم الذي شنه الكيان الصهيوني حتى وضعت الحرب أوزارها بعد ستة أيام وكانت ضربة قاصمة للظهر صحا العرب فسموها النكسة وابتلعوها كالسكين، كان الشعور بالخزي يمنع الإنسان من أن يلتقي بعينيه مع الآخر وكان علينا أن نلملم جراحنا، وذات يوم ألقى الشاعر يوسف الخطيب قصيدته الشهيرة التي توغلت في مشاعرنا وغلت في صدورنا وجعلتنا نحس أننا ننتمي إلى أمة نامت وطاب لها النوم وقد اقتطفت منها البيت الذي جاء في المقدمة والذي استعاره من الشاعر الجاهلي (قريط بن أنيف) لو كنت من مازن لم تستبح إبلي بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا. لقد استهل يوسف الخطيب قصيدته بأبيات عاشت في ذاكرة الناس طويلاً وظلوا يرددونها كلما غمزتهم وخزة ألم من واقعهم التعيس، الممعن في تعاسته: أكاد أؤمن من شك ومن عجب هذي الملايين ليست أمة العرب هذه الملايين لم يدر الزمان بها ولابذي قار شدت راية الغلب أأمتي ياشموخ الرأس متلعة من غلَّ رأسك في الأقدام والركب أأنت أنت أم الأرحام قاحلة وبدلت عن أبي ذرٍّ أبا لهب وعندما عملت في التعليم عرفت ليوسف الخطيب أكثر من قصيدة كنت أدرسها لطلابي أختار هذه الأبيات منها: لو قشة مما يرف ببيدر البلد خبأتها بين الجناح وخفقة الكبد لو رملتان من المثلث أو ربا صفد لو عشبة بيد ومزقة سوسن بيد أين الهدايا مذ برحت مرابع الرغد أم جئت مثلي بالحنين وسورة الكمد وعرفته من كتابه (ديوان الوطن المحتل) الذي قدم فيه لأول مرة شعراء الأرض المحتلة: محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد. وعندما دخلت الوسط الأدبي والإعلامي عرفته عن قرب وتوثقت بيننا علاقة صداقة وأذكر أنه قال لي يوماً: نحن من سورية من الكسوة رحل جدنا إلى فلسطين وبعد النكبة هاجرنا إلى سورية. |
|