تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حالة عزاء

عين المجتمع
الثلاثاء 27-3-2012
وصال سلوم

في بيت جدي ونحن أطفال لا نجيد لغة العزاء ولا طقوسه , مازلت أذكر وصايا جدتي إن حدث وتوفى لنا أحد من الأقارب أو الجيران فلائحة ممنوعاتها طويلة وتدابيرها صارمة ..

فلا لعب في حوش الدار ولا صراخ أو حتى صوت ابتسام ولا مذياع يفتح أو تلفاز , ومنشر الغسيل لن تحتله الثياب .. ففي حينا عزاء .‏

يومها كنت أحترم تعاليم جدتي - لا أخشاها - وأقف في آخر الصف بين أحفادها وأبنائها المساوين لأعمارنا نناشدها أن تتركنا نتابع برامج الاطفال , ويتدخل الكبير والصغير من أهل الدار بالمفاوضات ونستخلص حقنا في ساعة كرتونية وفق شروط , إغلاق النوافذ والباب وإسدال الستائر وصوت الكوكوكو المرحب بنا في شارة البداية - زمان برامجنا - .‏

وهكذا نبدأ بتنفيذ التعليمات ونغلق الغرفة ويلمع تلفزيوننا الأبيض والأسود ونجلس كلنا أمام صوته الخافت على بعد سنتيمترات من «عدنان ولينا وبيل وسيبستيان ».. وكنا نتأقلم مع حالة العزاء ولأيام حتى ينتهي بمواساة جدتي لأهل المرحوم بالأربعين والاعتذار منهم بالسماح لنا بفتح نوافذنا وتلفازنا معللة ذلك بصغر عقولنا نحن الصغار وعدم تعودنا بعد للصبر والايثار..‏

هذا العام وبعيد الأم , تذكرت جدتي وقريتنا الصغيرة كيف كانت تعيش الحداد , وتعصبت لتعاليم جدتي واعتبرت الوطن حيا كبيرا يجمعنا فيه أكثر وأكثر من حالة وفاة ووجع ..‏

كيف سأفرح وأغني أمومتي وجارتي من السويداء وحمص واللاذقية وحماه يلفها السواد وفي بيتها صورة معلقة لابنها الشاب يكللها سواد شريطة وذكريات .. لم أتقن صياغة معايدة وتجاهلت أغنية الشادية وبكاء دريد لحام بأغنية الـ «يامو ياست الحبايب يامو».‏

وأطفأت تلفاز بيتي وأغلقت هاتفي والجوال واحترمت أماً تقطن شمال الحسكة قد شيعت ابنها وأخرى في حوران والرقة والغاب ومازلن بلباس الحداد .. كيف هو حالهن اليوم وعيد اليوم يذكرهن بألبوم صور لفلذات أكبادهن كم هو مفجوع عيدنا ونحن نسمع بدل الفيروز وحنين مارسيل لخبز أمه , حديثهن ..‏

ياوطني الصامد صمود قاماتهن تستحق منا الوقوف وقفة عز لينتصر شموخ القاسيون .. ولتصبح أناشيد فرحنا تلون علمنا ليضم شمل البلاد من دم كل شهيد مداد..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية