تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الديمقراطية وثقافتها

معاً على الطريق
الثلاثاء 27-3-2012
خالد الأشهب

أحد رموز المعارضة الوطنية معلقاً، وبخيبة أمل واضحة، على النص الجديد للدستور قال: «غابت المادة الثامنة ولم تغب ثقافتها»!!

ليس مثل هذه التعليقات أو التوصيفات مفاجئاً، ولا هو صحيح ومعبر عن واقع الحال فحسب، بل هو حقيقي وطبيعي من جهة.. ويجب أن يكون كذلك ليكون حقيقياً من جهة ثانية، بل إن غير الطبيعي والكاذب ما كان من مثل هذه الاكتشافات والتوصيفات أو حتى الخيبات غير ذلك في واقع حال كحالنا, فلا ثقافة تتغير أو تتبدل بين ليلة وضحاها.. ولا بين نص وآخر، تماماً كما العقل، وهي جزء منه، لا يتبدل بقرار أو بلاغ أو تعميم أو حتى بإجماع آراء على شيء ما في لحظة ما دون تجربة وتاريخ.‏

لا أستهجن أبداً أن يصاب رجل الشارع العادي من العامة بمثل ما أصيب به المعارض المثقف, ولا أستغرب أن يعزف عن التحدث في التغيير والديمقراطية وفي العمل لصدمته بواقع حالهما، لأن مثل هذا الرجل لا يدرك حقيقة العلاقة بين الديمقراطية كثقافة وبين العقل كحاضن لمجموعة من الثقافات الضاغطة.. ليس بينها الديمقراطية، بل أستهجن أن يحس مثقف ما.. يرى نفسه بنفسه على الأقل مثقفاً، بخيبة أمل لأن الديمقراطية لم تتكون في العقل الجمعي العام في لحظة خلق إعجازية؟‏

أستغرب أن بعض مثقفينا الوطنيين ولا شك، يعرف جيداً كيف يحفظ العلوم والمعلومات ويطورها نظرياً وتقنياً ويرددها كنشيد محفوظ، لكنه وفي لحظة سهو غادرة يكشف عن عجزه في تمثلها، وفي تحويل النص الجميل إلى تجربة عيش ناجح، ويكشف عن شلل كامل في مغادرة مأزق المفارقة بين النص وتجربة العيش.. رغم كل ما يبدو عليه هذا البعض من التمكن والثقة في توصيفه كطليعي ورائد، سواء في قيادة عملية التغيير أو سواها. وربما لهذا السبب، العلة.. بمعنى المرض، وعبر مداد المثقفين وأدبياتهم السياسية في كل مكان في العالم.. جرى التركيز على شروط التحدث بالديمقراطية أو الأخذ بها منهج عيش، وأولها ضرورة توافر مستوى من الوعي السياسي الجمعي أو الساحق، يشطب أو يجهض فاعلية كل الولاءات «المادون وطنية» الأخرى.‏

وكما المثقف لا يصير مثقفاً بقرار أو بزيادة نص أو شطب آخر، كذلك الديمقراطية لا تصير ديمقراطية ولا تصير ثقافة بقرار مماثل أو بأمنية أو حلم، بل على العكس، في غياب ثقافتها ومثقفيها ووعيها.. وفي حضور وعي من الولاءات المادون وطنية، ربما تتحول الديمقراطية إلى شحنة ناسفة أو كمين لا يكتفي بتدمير نفسه وحسب، وثمة أكثر من أنموذج ومثال حولنا يبدأ بالعراق ويصل ليبيا مروراً بالصومال وأفغانستان وغيرها.. وحيث لم تفلح الصواريخ والقنابل الذكية والبوارج في نقل ذرة ذكاء إلى عقل مقفر منه.. حين يكون الذكاء مكوناً من مكونات الوعي!!‏

فلا يأخذنك حزن صديقي المثقف المعارض الوطني ولا خيبة أمل، فثقافة الديمقراطية تودي إلى صناديقها وليس العكس.. وفي البدء صنعت الثقافات النصوص وليس العكس!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية