تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«عريـــس الوطــــن»

ثقافة
الجمعة 19-4-2019
ليندا إبراهيم

هل تذكرون قصة أهزوجة «زينوا المرجة»؟.. إنها قصة أحمد بن موسى بن حيدر مريود, ولد ونشأ في قرية «جباتا الخشب» 1886، واستشهد فيها 1926، والدته من قرية «شبعا» التابعة للعرقوب، منتمية لأسرة من قبيلة المهيدات المسيطرة على منطقة البلقاء الأردنية،

كان والده مدرسة نموذجية، ومن هذه المدرسة برز أحمد مريود، فعلى غرار الموسرين في تلك الفترة من الزمان، حرص الوالد على استدعاء الأساتذة إلى بيته لتعليم أبنائه أصول الكتابة والقراءة، وحفظ القرآن، ومبادئ الدين القويم، وكان يكرر على مسامعهم أن الدين ليس طقوسا فحسب بل هو معاملة يومية، ناهيا إياهم عن التعصب، غارسا في أرواح أفراد الأسرة روح العصامية والاعتماد على الذات.‏

بعد دراسته الابتدائية، انتقل أحمد إلى دمشق لإتمام تحصيله الإعدادي قبل أن يلتحق بمكتب عنبر، متصلا بعدها أثناء دراسته في دمشق وبيروت بعدد من أقرانه مناضلا ضد السلطة العثمانية منتمين جميعا إلى التنظيم السري «جمعية العربية الفتاة», حيث كان من المؤسسين لها مع فيصل بن الحسين سرا قبل أن تصبح علانية بعد دخول القوات العربية دمشق 1918.‏

ويكتب الزركلي مشيرا إلى وقفة مريود مع أهالي القرى اللبنانية المجاورة يوم تعرضوا للمجاعة أثناء الحرب الكونية الأولى، إذ هب لنجدتهم في وقت منع فيه العثمانيون نقل الحبوب من سورية إلى لبنان منقذا بذلك عائلات بأكملها من الموت جوعاً.‏

أخذ اسم أحمد مريود يتردد في مرحلة الاستقطاب والبحث عن كبار القياديين, واجدين فيه الرجل القادر على تعبئة الجماهير وتنظيمها واتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب وأشركه فيصل في صياغة الرسائل التي كان يبعثها إلى الحجاز للتنسيق لقيام الثورة في بلاد الشام والحجاز، ثم جاءت إعدامات 6 أيار 1916 ليسيطر الهلع على النفوس ومن ثم النقمة العارمة, ولدى إعلان الثورة العربية الكبرى، 10 حزيران 1916 رفع الدمشقيون العلم العربي على قاعة المجلس البلدي 30 أيلول منه، وانطلق في اليوم التالي الشريف ناصر والزعيم مريود والشيخ الأشمر مع أشخاص بارزين من محطة القدم في الميدان إلى السرايا لتسلم إدارة المدينة المحررة وكان لأحمد مريود شرف أول من رفع علم الاستقلال في سماء دمشق، وليخوض مع باقي رجالات النضال المراحل اللاحقة من النضال الدامي ضد فرنسا في أسلوبين أحدهما النضال العسكري الذي امتد 1919 -1927 وكان لمريود والأطرش الدور الأكبر في الجنوب السوري والنضال السياسي والذي امتد حتى الاحتفال بعيد الجلاء 1946.‏

استشهد في معركة جباتا الخشب أحد اشهر المعارك التي كانت ملحمة وطنية كبرى استشهد فيها من آل مريود وحدهم في ساحة الشرف 42 شهيدا كما يذكر المؤرخون، إضافة لباقي الشهداء من آل العسلي الدمشقيين واخترق رصاص الغدر والحقد خاصرته وكتفه وذقنه واستشهد مريود الذي عاهد الله والوطن وما أخلف بوعده ليطهر تراب الجولان وجباتا الخشب ووطنه الكبير سورية بدمه الطاهر الطهور إثر معركة كان رهيبة وغير متكافئة.‏

لم تكتف زمرة الارهاب الفرنسي بالقتل بل عمدت إلى نقل جثمان الشهداء وفي مقدمتهم البطل مريود حيث عرضت الجثث في ساحة الشهداء بالمرجة وتركت تحت أشعة الشمس الحارقة وعندما تقرر نقل الجثامين الى المدافن رفض أهل دمشق وقادة الأحياء الشعبية السماح لأل مريود بنقل جثمان الشهيد إلى جباتا الخشب ذلك أنه شهيد الشعب كله وأصروا على دفنه في احتفال ديني وطني شعبي مهيب في مقبرة قبر عاتكة أحد الأحياء الدمشقية العريقة وأقيم له ولرفاقه مأتم شعبي كبير أطلقت فيه زغاريد الحماسة والأهزوجة الأشهر في تاريخ السوريين الوطني: «زينوا المرجة والمرجة لنا شامنا فرجة وهي مزينة»، زافين إياه ورفاقه عريساً للوطن المحرر الأبي الذي يأبى رجاله الضيم و فتيانه الاحتلال، وأهله الاستعباد‏

وأنتم أيها السوريون تعيشون كما لو أنكم تعيشون عمراً واحداً في أجساد متعددة, إنها الجينات التي تنام فينا في شغاف القلب ومسامات الروح وخفقات الأفئدة وتلافيف الدماغ, إنكم أعرق الشعوب في أعتق الأوطان حيث في شعاب قاسيون استقر الفلك بعد الطوفان وأنزل الرب أول أبطال رواياته فوق هذه الأرض من قتلة وأنبياء مغفلين وأشقياء قابيل وهابيل وآدم وحواء.‏

سورية التي انطلقت منها رسالة العقل الخالدة إلى شتى أصقاع الأرض وتلاقحت مع الأمم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية