تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مـــــاذا يعنـــــــي حريــــــق نــــــوتــــــردام؟

عن موقع فالميه
دراسات
الجمعة 19-4-2019
ترجمة مها محفوض محمد

هل هي صدفة أم عدوان أم تقديرات الهية؟ هناك ما يدعو للتفكير ملياً بحريق كنيسة نوتردام، لقد كان بمثابة 11 أيلول بالنسبة لنا كل بدروه فبعد شارلي ايبدو عام 2015 ثم مجزرة مسرح باتكلان في العام ذاته هاهينوتردام تحترق في نيسان 2019 بسبب الإهمال.

« نوتردام كل تاريخ باريس» كما يقولون قاومت منذ أكثر من 1500 عام اعتداءات من شتى الأنواع لكن مع الرأسمالية الجديدة تم النيل منها وهم لا يعتقدون بأنهم المسؤولون، سياسيون مهووسون حاملوا لقب استغلال البؤس الإنساني لمصلحة أصدقائهم وحماة حكوماتهم أدخلوا إليها ورشات عمل بعد مناقصات وعمال غير معروفين بل غير مؤتمنين ولا ندري ما الذي حصل ؟ .‏

في العصور الوسطى بنوا صروحاً من العجائب بالإيمان والأخلاق النبيلة وفي القرن الواحد والعشرين يهدمها حكامنا بالجشع وبالنسبة لمن ما زال في قلوبهم بعض الإيمان فإن هذا الحريق له مغزى وأكثر من كونه حدث من جشع وأخطاء الرأسمالية فهو قد وقع في الأسبوع المقدس الذي صلب فيه المسيح من أجل قول الحقيقة وشجب الطمع والنفاق والكذب والعنف والوقوف في وجه الطغاة ونصرة المظلومين الأمر الذي يجب أن يحدث اليوم من أجل أسانج وجماعة الستر الصفراء.‏

في نشرة الصباح ذاتها الذي بث الخبر فيها تحدثوا عن السلاح الذي تبيعه فرنسا إلى السعودية التي تستخدمه بدورها في قتل اليمنيين بلا شفقة فضلاً عن ذلك هناك رئيس فرنسي شارف على ذرف الدموع بغزارة وأنا أتساءل كيف يرى ذلك من برجه العاجي ؟ وأيهما أهم في نظر الخالق كنيسة تلتهمها النيران أم أطفال في اليمن روّعتهم الحرب؟.‏

إن ما تبقى من نوتردام والذي لم تستطع النيران التهامه هو هيكل لم تنجح شراهة الرأسمالية بتهديمه لكن لم يبق شيء في الداخل لقد تم تخريب وحرق كل شيء هذا هو غول الرأسمالية.‏

كيف لهؤلاء من طبقاتنا الحاكمة الذين يصنعون الطائرات من دون طيار ويرسلونها لقتل أناس أبرياء ثم يسرقون بترولهم والذين وصلوا إلى تقنيات تستطيع حل جميع مشكلاتنا ظهروا غير قادرين على تأمين ورشات عمل لأغلى كنز وطني لدينا، أجل لأن الكاتدرائية غير قابلة للبيع كما باعوا الكثير من منشآتنا للقطريين لذلك أهملت رغم أهميتها كجميع كنائسنا ولم تشكل نوتردام استثناءً.‏

ماكرون ومن دون خجل يتحدث عن إعادة بنائها في حين أنه شارك بتدميرها والنار التي صعدت الى السماء أجبرته على تأجيل «خطابه التاريخي» الذي لن يقول شيئاً فيه فكيف له أن يبوح بأن المهمة التي عهدت بها إليه طبقته الحاكمة هي التضحية بفرنسا والتراجع عن مصلحة البلاد من أجل هؤلاء .‏

وسائل الإعلام قالت إن عدم سقوط أبراج الكنيسة بالكامل هو معجزة إذاً نستطيع أن نرى في ذلك فأل خير ألا وهو انهيار هذا النظام القاتل الذي يدمر الناس والكرة الأرضية لمصلحة بعض الأشخاص الذين يكدسون ثرواتهم من ذهبنا في جناتهم المالية، هذ النظام الذي يرى أن الله هو المال وأن الكتاب المقدس هو الربح والاستثمار نأمل أنه آيل الى الانهيار لتتحرر منه شعوب استنفذ قواها في لهيبه المدمر.‏

اليوم نعيش مشهداً مثيراً للغضب فمع وقوع الحادثة سارع الأثرياء من أصحاب المليارات الذين يريدون إعادة اعتبارهم وتلميع صورتهم الى تقديم الهبات من الملايين مستغلين حالة الذهول لدى الناس أمام الكارثة فظهروا كالمحسنين وبدأ المعلقون الإعلاميون يتحدثون عن أرقام المبالغ الموعودة بكثير من الحماس دون أن يذكروا أن هذه الأموال في جزء كبير منها غير خاضعة للضريبة وأنها ليست سوى قطرة ماء في محيط مال هؤلاء اللصوص الكبار الذي اختلسوه منا الذين بدون خجل وبخدع مالية مع مونتاج رأسمالي بمساعدة ممثليهم السياسيين - الذي لم يكن ماكرون سوى المسخ الأخير بينهم - يدفعون أقل ما يمكن من الضرائب ويسببون ضياعاً لأرباح الدولة من أموالهم تساوي عشرات المليارات دون شك أكثر من مئة مليار يورو في العام لصندوق الدولة وأكثر من ذلك فإن هذه «الهبات» التي قدموها ستمنحهم دعاية كبرى وبسعر زهيد بطريقة أسرع وأقل تكلفة، وإذا تأكد أن اللذين أعلنا أنهما سيقدمان 300 مليون يورو صحيح هذا يعني أنهما سيأخذان من جيوب الشعب الفرنسي 270 مليون يورو أي أنهم لن يدفعوا أكثر من 30 مليون يورو وهذا يعادل فقط واحد بالمئة من الموازنة السنوية التي تصرف حوالي خمسة مليارات على الدعايات التي تصرفها شركاتهم وإذا كان هؤلاء يريدون تقديم الهبات فعلاً عليهم البدء بدفع ضرائبهم حالياً فالخدعة الضريبية حول مشروع رعاية العلوم والفنون تكلفتها 900 مليون يورو بالعام على الدولة وهذا الرقم سيتضاعف عشرة مرات خلال عشرة أعوام قادمة .‏

ماكرون يصرف مئات المليارات على القوات العسكرية وعلى إنقاذ البنوك وإسقاط الضرائب عن الثروات أي أنه يخفض النفقات على كل المشاريع الحيوية ما يؤدي الى بؤس العمال وفي الوقت الذي يؤجل فيه الاليزيه اعلاناته الهادفة من أجل زيادة مدة العمل وتمديد مدة الخدمة قبل التقاعد اندفع غداة الكارثة للتعريف بالنظام الضريبي للتبرع الوطني لذلك أول التحركات الشعبية القادمة يجب أن تكون المطالبة بتطبيق ذلك على أصحاب المليارات وليس على العمال وما لا نعرفه كثيراً أن هؤلاء الحيتان يبحثون على الفور عن الاستفادة باستغلال الكارثة لذلك من الضروري أخذ الحذر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية