تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين يفقد الأدب دوره وبراءته..؟!

ثقافة
الأحد 7-2-2010م
مريم خير بيك

في كتاب «حكومة العالم الخفية» لمؤلفه شيريب سبيروفيتش يربط المؤلف بقوة بين الصهيونية والفعل اللاأخلاقي والسمة اللاأخلاقية التي تسود المجتمعات في زمنها .

إن هذا الأمر يتأكد لي وأنا أتأمل فيما عليه العالم اليوم، العالم الذي يتعرض إلى أقسى حالات التشويه من خلال الفعل اللاأخلاقي والفكر اللاأخلاقي الذي تريد الصهيونية العالمية الآن دفع العالم إليه ولاسيما مجتمعاتنا ومنطقتنا.‏

وبعودة إلى الأمس غير البعيد تاريخياً ، وإلى الأدب العالمي تحديداً سواء منه الأوروبي أم العربي أم الآسيوي أجد عبر قراءتي لتشارلز دكنز ، وفيكتور هوغو، وفلوبير، وتولستوي، وغوغول، وديستوفسكي، كم ساهم هذا الأدب الراقي ، المجسد لكل الحالات الإنسانية الراقية، ولاسيما الحب في بناء إنسان هذه المجتمعات وكم ساهم في تربية غرائزه وتصعيدها وسموها على مبدأ فرويد، وكم أدى هذا الأدب دوراً مقاوماً عند إنسان هذه المجتمعات وليس كتاب عصر النهضة وما بعدها بقليل بأقل في هذا المضمار ، من كتابات العقاد، إلى الحكيم إلى المنفلوطي، ومحفوظ وغيرهم كثر ممن لم يتشوه أدبه بتعرية الغرائز الإنسانية واستغلالها تجارياً من خلال أدبه الذي أدى دوراً مهماً في نهضة شعبنا ومقاومته لأشكال الاستعمار وصيغه.‏

وبحكم التداعي أعود إلى ذلك الزمن الذي سادت فيه النظرية الاشتراكية التي تجسدت بأنظمة مرتبطة بالعمق فيها وإلى تلك النظرة الأخلاقية للجنس على أنه المقدس الذي يجب ألا يظهر على صورته الفطرية «المتوحشة» التي تشوهه بل اعتبره الحالة الإنسانية الراقية التي يجب أن تسمو، فابتعد الفكر والممارسة في هذا المجتمع عن الفضائحية ، والأسلوب التجاري في هذه العلاقة المقدسة وحاول أن يكرس الأدب كما رآه فرويد (الذي يربط بين الجنس والأدب بوظيفته الإنسانية باعتباره تصعيداً و سمواً للغرائز) لذلك حين بدئ بتفكيك هذه المنظومة الاشتراكية كان من أهم ماتمّ هو تفكيك المنظمومة الأخلاقية وبالعودة إلى النظرة الاستعمارية للجنس، نجد النظرة التي أبرزت الشرق عبر دراسات كثير من المستشرقين وكأنه ماخور ، العلاقات الجنسية فيه علاقات وحشية وبعيدة عن الأخلاقيات الإنسانية السليمة أي إن فضائحية الجنس متعلقة بوحشية الإنسان،ومن هنا كثرت جرائم الجنس وانتشرت الإباحية ورفع الستار عن أقدس العلاقات الإنسانية لتكون أرضيةً لتدمير المجتمع.‏

وهذا الفعل كان مرافقاً عبر التاريخ الاستعماري لعملية استباحة المجتمعات كي يبدو إنسان هذه المجتمعات حيواناً شبقاً ، هاتكاً لكيان المجتمع الإنساني، مبيحاً اتهامه بالوحشية والغرائزية والفوضى التي تستدعي تدخل المستعمر (بكسر الميم) الأرقى (كما يدعي المخطط لتحطيم المجتمع) كي ينظم هذا المجتمع ويضعه في دائرة الرقي التي ينتمي هو إليها «وفي الغالب كانت الأوروبي غير المسلم».‏

ولو استعرضنا هذا العصر بكل انتهاكاته للإنسانية وللمجتمعات وجدنا أن أهم سماته هي (استحضار الجنس بشكله الأبشع لتنفيذ أغراضه، وكمرافق لعمليات السيطرة على المجتمعات).. وأيضاً من خلال استخدام المخابرات العالمية ولاسيما الصهيونية للجنس عبر المرأة في جميع عمليات التجسس، والتغلغل في بنية الدول المراد السيطرة عليها ومعرفة أسرارها ، لتأتي بعد ذلك مرحلة تالية من الفضائحية من قبل هذه المخابرات ، بحيث تعود لتستخدم الجنس ضد من مارسه باعتباره ليس أهلاً لما وصل إليه من مناصب.‏

من هنا تبدو خطورة الأمر أي ربط الجنس بالوضع والفكر الاستعماري ، ويؤكد هذا ماورد في كتاب «الاستشراق جنسياً» لمؤلفه إرفن جميل شك، ومترجمة نظرة الشرق للغرب فيها كثير من التمييز الطبقي، فالبرجوازية الأوروبية تريد تمييز نفسها عن الطبقات الفقيرة أولاً، وهذا التمييز ينطلق من الاختلاف الجنسي، فالفقراء شهوانيون ، لا روادع لديهم، نساؤهم مباحات يبحثن عمن يشبع لهن شهواتهن الأمر الذي يفترض أنهن لا يشبعن، أو أن رجالهن لا يتمتعون بالقدرات الجنسية اللازمة لهن، ولذلك يجد الأوروبي (الذكر) فرصته السانحة باستعبادهن، فالشرقي غير قابل للتطور في نظرهم ، ثابت، يعيش مثلما، كان الإنسان البدائي .. والعالم منقسم إلى بدائيين ومتحضرين، وهذا التقسيم الآن بعيد في التاريخ .‏

لقد ربط المستعمر (بكسر الميم) وبقوة بين المشهد الجنسي الحياتي المنقول عبر الكتب وغيرها وحالة التخلف التي تستدعي السيطرة على هذه الشعوب لتهذيبها ووضعها في إطار اللاوحشية .‏

إنني وأنا أقرأ المشهد الجنسي في بعض الأعمال الأدبية، أو الآراء التي يطلع بها بعض المتحدثين حول الجنس، وأنه المشهد الذي يخرج أدبنا من حالة الانغلاق التي يعيشها، وضرورة رفع الستار الحامي للمجتمع العربي أولاً والديني ثانياً، بعرض مشاهد جنسية مقززة كتبت بحجة التحرر وفي حقيقتها كتبت لهدف تجاري بحت يؤكده خلو العمل في معظم الأحيان من أي عمق في التحليل النفسي، ومن أي هدف يربط بين المشهد والهدف الأسمى لخدمة المجتمع ، وأنا أقرأ هذا يتأكد لي بربطه مع ما ذكرت أن هذا النوع من الكتابة لا يخدم مجتمعاتنا ولا قضايانا، بل يخدم المستعمر (بكسر الميم) الساعي إلى استعمار جديد في تبريره حروبه على أنها بهدف تحرير هذه الشعوب من بدائيتها وتخلفها كما يؤكد كتاب «الاستشراف الجنسي».‏

إن هناك فرقاً شاسعاًً بين أن نكتب عن الحب كعاطفة إنسانية سامية منحها الله للإنسان كي يخضعها للعقل الذي يعقلها عن البهائمية وبين وصف العلاقة الجنسية بكل غرائزيتها وشهوانيتها ، وحيوانيتها وبعدها عن الارتباط بأي مدلول يحلله علم النفس ويربط بينه وبين قيمة أسمى، إلا الإثارة وهتك الحرمات الذي ينتهي بالإنسان إلى اللاجدوى علمياً وأخلاقياً.. سوى جدوى استخدام الآخر هذا لمصلحته ومصلحته فقط.‏

إن أبانواس، وأبا العتاهية، وابن أبي ربيعة، وكتاب العصر الحديث بمن فيهم نجيب محفوظ لم يجعلوا في يوم من الأيام محور أدبهم الجنس، ولم ينادوا برفع الأستار كي يثبتوا خروجهم عن المألوف ، بل كان هاجس هؤلاء جميعاً ، أولاً وأخيراً، طرح أدب سام يهذب الجسد والروح، لذلك لايزال عيش بألقه وجدواه حتى يومنا هذا، ولايزال يحمل طرحاً لمقولات سامية أرادها مبدعوه وتربت عليها أجيال عربية كاملة.‏

وهنا يحضرني رأي نقدي أوروبي ينطلق من منطلق عن بعيد المنطلق الاستعماري وفحواه:‏

يسيء للاشتراكية من يتصور أنها تحمل الفكر التحرري الذي يؤدي بالإنسان إلى التحرر من الأخلاقيات ، والتحلل والانعتاق الذي يودي بالمجتمعات إلى الحضيض عبر علاقة الرجل بالمرأة .. وقطع الجذور بأخلاقيات المجتمع الناظمة له.. إنها أنسنة هذه العلاقة، والسمو بها ، والبعد بها عن أدران التجارة التي تستخدم الجنس مصيدة لتحويل الإنسان إلى سلعة، أبعد هذا يمكن أن أسمي هذا الهراء الجنسي أدباً ، وانعتاقاً من التخلف ، وانفتاحاً على الحضارة، هذه الحضارة التي اعتبرته وحشية، وغرائزية لا تصدر إلا عن إنسان بدائي متخلف .. إن من يفهم معنى الأدب المقاوم، والمقاومة لا أظنه يقول إن تعرية مجتمعه نوع من المقاومة، ولا يسمي هذا المشهد الجنسي تربية وأن استقطاب «كل الثقافات والانتماءات تحت سقف الوطن الواحد النهائي مقاومة.. وسامحوني إن كنت توقفت عند (كل الثقافات ، والانتمائات ، والوطن الواحد النهائي) التي سيقت دفاعاً عن هذا الأدب الجنسي من قبل مؤيدي الجنس وكتابه.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية