|
ملحق ثقافي والنفسية التي طالت المنطقة العربية مؤخراً؟ هل يمكن للمسرح أن يقدم رؤية حول العيش المشترك في ظل التعددية الثقافية؟ وما هي سبل الوصول إلى هذا العيش؟ فالعنوان يشدنا إلى التفكير والنظر إلى ما كنا نقدم من تجارب مسرحية خلال عام كامل بتمعن وإلى الكلمات التي كتبت في رسالة جون مالكوفيتش عبر الحياة الإنسانية وكيف آلت عبر جميع التقلبات والانقلابات السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي بات يعاصرها العالم من شبكة تواصل المواقع الاجتماعية وقصور دور المسرح في تعرية الظلم والفساد.
الفن المسرحي هو محاولة صياغة الواقع الافتراضي من جديد واستبدالها بواقع جميل وأفضل كما نتمناها، والأهم أن تكون الصياغة تمس الروح الإنسانية وجوهرها بعمق ربما نفهم معنى الحياة بشكل أجمل. كيف يكون يوم المسرح العالمي في عيده الخمسين في سورية؟ طيلة السنوات الماضية كان المسرحيون في سورية يتساءلون لماذا لا يتحول المسرح في كل يوم أو شهر إلى مثل هذا اليوم، بمعنى أن تفتح المسارح أبوابها وتقدم أنشطتها كما تُقدم اليوم، خاصة ارتفعت هذه الأصوات بعد أن ألقى الكاتب سعد الله ونوس كلمة يوم المسرح العالمي، ووفاءً للكاتب ونوس كان من الممكن أن تجهز المديرية احتفالية بمستوى احتفالية العام الماضي على الأقل خاصة إذا عرفنا أن العالم يحتفل بذكر يوم المسرح العالمي الخمسين. كان هذا فيما مضى، أما اليوم، فقد استنفدت مديرية المسارح والموسيقا طاقاتها الإبداعية في إنتاج عروض مسرحية خلال العام، لأن سهام الصحافة وجهت إليها منذ سنتين بأنها لم تقدم سوى عرضين أو ثلاثة خلال المواسم المسرحية الماضية، لذلك لم تستطع أن تحتفل بعيد الخمسين ليوم المسرح العالمي هذا العام سوى قراءة الكلمة على صالة الحمراء ثم عرض مسرحية الأميرة والصعلوك لألفريد فرج وإخراج حسين إدلبي. ويذكر أن العرض قد بدأ قبل الاحتفالية بعشرة أيام تقريباً.
وطالما اقتصرت الاحتفالية على عروض مسرحية، فلماذا أعادت عرضين منذ فترة، ولم تؤجل إلى هذه المناسبة وخاصة أن عرض «أبو شنار» المُعاد منذ أسبوعين من دون أي هدف مرتجى على صالة القباني، والتي تبقى مهجورة وباردة وحزينة دون الاحتفالية المعتادة، إلا إذا قدم المخرج الشاب كفاح الخوص عرضه المسرحي الذي يجري البروفات عليه منذ أشهر، ولا أدري إن كان هناك تكريم للفنانين المسرحيين السوريين أم لا؟ رغم تأكيد بعض المصادر في المديرية بعدم وجود تكريم أي مسرحي هذا العام، بينما تقدم دار الأوبرا عرض «موقف الباص» خمسة أيام، في حين أن المسارح القومية في المحافظات الأخرى تحتفل بطريقتها الخاصة من أنشطة ثقافية وعروض مسرحية وراقصة. مقتطفات من كلمات المسرحيين العرب الثلاثة ليوم المسرح العالمي للتذكير بأن المسرح العربي لم يكن يعيش بمعزل عن التأثير والتأثر في التجارب المسرحية العالمية، وهي: كلمة سعد الله ونوس 1996 الجوع إلى الحوار من البديهي أن هذا الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية، واحترام التعددية، وكبح النزعة العدوانية عند الأفراد والأمم على السواء، وعندما أُحس هذا الجوع، وأُدرك إلحاحه وضرورته، فإني أتخيل دائماً أن هذا الحوار يبدأ من المسرح، ثم يتموج متسعاً ومتنامياً حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه وتنوع ثقافاته،
وأعتقد أن المسرح ورغم كل الثورات التكنولوجية، سيظل ذلك المكان النموذجي الذي يتأمل فيه الإنسان شرطه التاريخي والوجودي معاً.. فالمسرح ليس تجلياً من تجليات المجتمع المدني فحسب، بل هو شرط من شروط قيام هذا المجتمع، وضرورة من ضرورات نموه وازدهاره، لكن عن أي مسرح أتكلم! هل أحلم، أم هل أستثير الحنين إلى الفترات التي كان المسرح فيها بالفعل حدثاً يفجر في المدينة الحوار والمتعة؟ لا يجوز أن نخادع أنفسنا، فالمسرح يتقهقر، وكيفما تطلعتُ، فإني أرى كيف تضيق المدن بمسارحها، وتجبرها على التقوقع في هوامش مهملة ومعتمة، بينما تتوالد وتتكاثر في فضاءات هذه المدن الأضواء والشاشات الملونة والتفاهات المعلبة.. إن الشرط الإنساني في نهايات هذا القرن يبدو قاتماً ومحبطاً، وقد نفهم بشكل أفضل مغزى تهميش الثقافة، حيث ندرك أنه في الوقت الذي غدت فيه شروط الثورة معقدة وصعبة، فإن الثقافة هي التي تشكل اليوم الجبهة الرئيسية لمواجهة هذه العولمة الأنانية والخالية من أي بعد إنساني... إننا محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ. كلمة فتحية العسال 2994 ولكي يبلغ هذا الكاتب رسالته ويؤثر في حياة الناس، لابد له من إتقان صنعته والسيطرة على أساليب التعبير الفني، وألا تتبدد رسالته أدراج الرياح دون أن تخلف وراءها أثراً أو تحقق هدفاً، ففي كل الأعمال الفنية اقترنت دائماً الرسالة الإنسانية العادلة بنضج التعبير الفني وأصالته، لذلك من الخطأ أن نزيد من أهمية أحد العنصرين على حساب الآخر. يقال: إن المسرح كفن يعتمد على البناء المحكم الخالي من كل زيادات، والحوار المركز المكثف البعيد عن الثرثرة، لا يتلاءم مع طبيعة المرأة التي لا تستطيع الانفصال عن ذاتها، وبالتالي تعجز عن تقديم النظرة الموضوعية اللازمة، وهنا أجيب: إن المرأة التي تعرف الحمل طوال تسعة أشهر، قادرة أن تبني مسرحية محكمة ومتماسكة، شرط أن تكون حقاً كاتبة مسرحية، لحسن الحظ، أن المسرحية الحديثة تحررت من الأشكال التقليدية نتيجة موجات التجديد المتعددة التي بدأها بيرانديللو وبرنارد شو وبريشت وغيرهم من كتاب المسرح العبثي والغضبي، ومن المجددين والتجريبيين، فأصبح من النادر اليوم أن نجد كاتباً كبيراً يقدم مسرحية في إطار البناء التقليدي.
إنني أؤمن أخيراً، أن المسرح هو الضوء الذي ينير للإنسان الطريق، ويؤمن التواصل مع المشاهد، التواصل الذي يولّد الدفء بيننا سواء كنا أمام النص أم أمام خشبة المسرح. كلمة الدكتور سلطان بن محمد القاسمي 2007 الحروب التي حاقت بالبشرية منذ قديم العصور بواعثها مكنونات شريرة لا تقدر الجمال، والجمال المكتمل لا يتوفر في فن من الفنون بقدر ما هو عليه في المسرح، فهو الوعاء الجامع لكل فنون الجمال، ومن لا يتذوق الجمال لا يدرك قيمة الحياة. والمسرح حياة، فما أحوجنا اليوم إلى نبذ كلّ أنواع الحروب العبثية والاختلافات العقائدية التي تؤجج من دون وازعٍ من ضميرٍ حيّ، ومشاهد العنف والقتل العشوائي تكاد تغّلف المعمورة بأسرها، مصحوبة بهذه الفوارق الشاسعة بين غنىً فاحشٍ وفقرٍ مدقع، بين أجزاءٍ من العالم المنكوبة بأوبئة لا تتضافر قوى الخير من أجل القضاء عليها كأمراض الإيدز وغيرها من الأوبئة المستوطنة، إلى مشكلات التصحّر والجفاف في ظل انعدام الحوار الحقيقي مع بعضنا بعضًا من أجل العالم الذي نعيش فيه مكانًا أفضل. يا أهل المسرح، إن عاصفة قد حلت بنا من شدة ما يُثار حولنا من غبار الشك والريبة، حتى كادت تحجب وضوح الرؤية لدينا، وأصواتنا لا تصل آذان كل منا من كثرة الصراخ والفرقة التي تباعد بين الشعوب، وتكاد العاصفة تطوح بنا لتبعدنا عن بعضنا لولا إيماننا الراسخ بدور المسرح القائم على الحوار أصلاً.. نحن كبشر زائلون، ويبقى المسرح ما بقيت الحياة. |
|