تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أمير تاج السر .. يفرد شباك صيده الروائية .. !

كتب
الأربعاء 28-3-2012
لميس علي

بحسب قاعدته التي يذكرها على لسان إحدى الشخصيات .. يحلو لأمير تاج السر نقش وصفته في كيفية ( صيد الفراشات ) روائياً .

على رأي الشخصية صاحبة الترميز ( أ ، ت ) في رواية ( صائد اليرقات ) فإن أطوار الكتابة تشبه أطوار نمو الحشرة .. و كل ما يُكتب هو يرقة إما أن تنمو لتصبح شرنقة فحشرة كاملة .. و إما أن تبقى يرقة ، الموت مصيرها .‏

هي النصيحة التي يلخص بها ( أ ، ت ) قاعدته في الكتابة لشخصية البطل المحوري في الرواية عبد الله حرفش أو عبد الله فرفار .‏

صائد الفراشات الحقيقي لا المتخيّل .. أمير تاج السر .. يصيد فراشته – روايته المعنونة ( صائد اليرقات ) معتمداً تقنية الرواية داخل الرواية .. وفق بنية سردية تموَّه بدايةً .. تربك القارئ .. ليكتشف بعد حين من القراءة أن بعض الشخصيات ليست سوى شخصيات الروائي ( أ ، ت ) في روايته ( على سريري ماتت إيفا ) .‏

لعبة يسوقها تاج السر على سبيل الخروج عن روتين التعاطي التقليدي مع التصاعد الزمني لسير الأحداث .‏

هكذا نتعرف ليس فقط على شخصيات ( صائد اليرقات ) إنما على شخصيات الرواية الأخرى المتفرّعة عنها ..‏

يبتّ تاج السر بمصائر هذه الشخصيات الفرعية ( الثانوية ) لصالح المضي في تصعيد ذروة الحكاية ( الأهم ) المرتبطة بالبطل عبد الله حرفش .. رجل الأمن المتقاعد بسبب حادث أثناء قيامه بعملية مراقبة .. ينجم عنه قطع ساقه و تركيبه لأخرى خشبية .‏

تنشأ لدى عبد الله رغبة مفاجئة و ملحّة بكتابة رواية ..‏

هل نشأت رغبة امتلاك القدرة على الكتابة كنوع من التعويض عن ( البتر ) الذي لحق به ..‏

يقول ( سأكتب رواية .. نعم سأكتب . لا بد أنها فكرة غريبة حقاً حين ترد إلى ذهن رجل أمن متقاعد ... لكنها لن تكون غريبة أبداً ، و قد قرأت مؤخراً في عدد من الصحف و المجلات التي وقعت بيدي و استطعت قراءتها بلا تعجل ، أن بائع ورد بنغالياً في مدينة نيس الفرنسية ، كتب رواية عن الورد بطلتها امرأة من المهاجرات الإفريقيات ، ظلّت تشتري الورد الأحمر عشرين عاماً من محلّه ، من دون أن تغير لونه ... و بائعة هوى تائبة في سايغون كتبت روايتين رائعتين عن حياتها القديمة حين كانت نكرة في زقاق مظلم ...‏

لكن كيف جاءتني تلك الفكرة الغريبة ، و لم أكن قارئاً طوال حياتي ، و لا واسع الخيال إلا في مجال عملي .. ) .‏

ببساطة يقرّ عبد الله معترفاً بضعف ثقافته .. هل في ذلك تلميح من الروائي إلى موجة تطال الأدب من فئة مستسهلين يرغبون ولوج بوابة الكلمة دون إلمامهم بأبسط تقاليد امتهان صحبتها .. ؟‏

بكثير من الرشاقة يكشف تاج السر عن ذلك وفق أسلوبية تعتمد مبدأ ( الثنائيات ) أو الضديات .. أو لعلّها مفارقات .. يصيد أبرزها حين يتعرّف عبد الله حرفش على الروائي ( أ ، ت ) .. و هنا مكمن ( الضدية ) أو ( التقابل) بين شخصيتين كل منهما ذات خلفية ثقافية و فكرية تختلف عن الآخر تماماً .. و مع ذلك يصلان إلى درجة مقبولة من الصداقة .‏

بفنية عالية أيضاً يلمّح تاج السر إلى مفارقته الثانية الكامنة في شخصية عبد الله حرفش ذاتها .. و لعل جعله يمتلك اسمين ( حرفش ، فرفار ) ليس إلا ترميزاً لنوع من ازدواجية مخفية .. تجلّت بوضوح عبر تأكيداته الدائمة أنه سيصبح كاتباً مشهوراً ( .. لن أنهزم أبداً .. سأمضي متخبطاً فيما بدأته حتى أصبح مثلك يا ( أ ، ت ) .. لا أريد أن أسألك عن بداياتك ، حين هجرت تدريس الرياضيات في المدارس المتوسطة .. لا بد أنها كانت أقوى من بداياتي لأنك هجرت التدريس من أجلها ، بعكسي أنا الذي هجرته مهنته ، و عرف مصادفةً أن أشخاصاً لا علاقة لهم بالكتابة أصبحوا كتاباً .. ثم ألحّت عليه الفكرة المجنونة أن يصبح مثلهم ) .‏

المفاجأة أن عبد الله لن يكتب لا رواية و لا أي شيء آخر .. إنما سيعود إثر طلبه للخدمة من جديد إلى كتابة شيء وحيد فقط .. إلى كتابة تقاريره لا أكثر .. و هي الخاتمة التي تعاكس كل ما تقدّم عليها من أحداث .‏

المفارقة الأهم .. أن الروائي ( أ ، ت) يكتب رواية جديدة جاعلاً من حرفش بطلاً لها ..‏

و الصاعقة .. يفجّرها تاج السر حين يختم ( أ ، ت ) مصير حرفش بالعودة إلى وظيفته تاركاً حلمه بكتابة رواية .. و بالطبع لا يدرك ( أ ، ت ) شيئاً عن حقيقة عودة حرفش إلى عمله .‏

و بالتالي .. اختيار تاج السر خطاً يُعيد الأشياء إلى مواقعها الطبيعية .‏

وحتى لو كان الأمر فقط على الورق .. نلحظ ذلك النوع من الانتصار للكلمة .. أو لصاحب الكلمة و صانعها .‏

فالكاتب ( أ ، ت ) أنهى حلم بطله .. رسم نهايته .. دون أن يدري أنها حقيقةً واقعة .‏

البطل الورقي .. كما بدا نهايةً .. المتوهم أنه يغيّر مصائر الناس بتقاريره .. سيأتي من يغيّر مصيره حتى لو كان بحركة على الورق .‏

‏

الكتاب : صائد اليرقات المؤلف : أمير تاج السر رواية وصلت إلى اللائحة الصغرى لجائزة البوكر العربية 2011 م .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية