|
ملحق ثقافي كنت منذ سنوات قد فقدت صديقاً هو الأقرب إلى القلب، وقد شاركت في حفل العزاء الذي أقيم من أجله هو الدكتور «كيفورك تيميزيان» الذي لم يكن هو الأبرع بين أطباء القلب فحسب بل كان شاعراً وناشطاً في المجتمع الحلبي ويدير جمعية ثقافية، وكان رمزاً لحيوية يتمتع بها ويمنحها لمرضاه الذين كنت منهم. وفي الحفل تتابع أصدقاء الراحل يحقنون الناس فيه بلوعة الألم على فقدهم لطبيب وشاعر وصديق، فكانت أمسية يخيم عليها الحزن. وبالرغم من مرور أربعين يوماً على الرحيل إلا أن دموعاً في عيون الكثيرين ترقرقت فيها. وفجأة ظهرت صبية على خشبة المسرح ليخالط جمالها الأسى، وانطلقت تنشد شيئاً من شعر تيميزيان وقد خرج منه سحر شدّ إليه أسماع الجمهور، وكان آنذاك فيه الكثير من الاحتفاء بشخص واحد، وهكذا تحول الوجوم إلى نوع من السعادة، فكأن روح الشاعر تطوف في أرجاء المكان وتهتف للمنشدة «أحييني بإلقاء كلماتي»، ولم تكن الصبية سوى «سالبي دراكجيان». ولم أملك من أمري في نهاية الأمسية إلا أن ألتقي بالصبية لأقول لها:»كنت أفضل المحتفين بذكرى الرجل، وقمت بإحياء شعره المكتوب على أوراق في كتاب لتخرجيه من حبر الكلمات ليصب في أسماعنا إيقاعاً مدهشاً». وبعد سنين فوجئت بالصبية تهتف لي راغبة في قدومها إلى مكتبي. رحبت بحضورها في ذلك الصباح لأفاجأ بتقديمها قرصاً «C.D» بعنوان لآلئ شعرية من روائع الأدب العربي والأرمني وإنشاد «سالبي دراكجيان». كانت خياراتها التي أنشدتها هي من أشعار نازك الملائكة وجبران خليل جبران و نزار قباني، فدوى طوقان وأدونيس ومحمود درويش، وعدد من الأرمن الذي ترجمت أشعارهم إلى اللغة العربية. وقد رافقت الإنشاد مقطوعات من الموسيقا العالمية، فتحولت تلك الأعمال الشعرية إلى متعة للسامعين، ولتثبت أن إلقاء الشعر يفوق في الأهمية قراءته، وأن الشعر قد حقق مقولة اللآلئ الشعرية. وأريد أن أعترف بأني كتبت في أكثر من زاوية بعد ذلك المأتم أدعو فيها إلى إحياء الشعر في التلفزيون على مبدأ الفيديو كليب لمتعة الشعر ومعرفته التي تناساها المجتمع أو أهملها في ذلك المناخ التلفزيوني الذي غلبت عليه الأغنية التي لم ترقَ إلى مستوى الشعر الحقيقي. كما وأريد أن أعترف بأن «سالبي» قد أشملت الفكرة سابقاً، كما وأن الفنانة المسرحية «نضال الأشقر» كانت قد قدمت مع فريقٍ في أكثر من حفل لإحياء الشعر بجمالية فاتنة ، فدفعتني إلى اقتراح تلك المقالات التي أدعو فيها محطات التلفزيون لتقديم الشعر بطرق تحافظ على خياله. |
|