تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تحت يافطة النقد

ملحق ثقافي
19/1/2010
المؤلف:غالية خوجة : مازال وطننا العربي لا يعامل المبدع باحترام يليق بقضيته الفكرية التي يناضل من أجلها طيلة حياته، وللأسف،

هذا الوطن لا يكترث إلا بالعادي والسطحي ربما لأن الغالبية العظمى منه تعاني من أمية فكرية ورؤيوية وحلمية وأخلاقية وجمالية! أمية متعددة الاتجاهات والنوازع والتطور إلى الوراء رغم أنه لدينا ثلة من الندرة التي تستحق التوقف عند طاقاتها المتفجرة إلى الأعماق العليا من الإنسان والكون واللغة والنص.. قد يقل عدد المبدعين العرب عن عدد أقطارنا العربية بنسبة ما، لكن المبدع المتجوهر مع الكينونة الذاتموضوعية والزمكانية والميتافيزيقية موجود بيننا، يبصر ما لا يبصره الآخرون، ويتألم من كشفه، وواقعه، ووجوده لا سيما في زمننا العربي الأكثر صعوبة.. هناك في سوريا مثلاً، على الصعيد النقدي أسماء مؤثرة بمشاريعها الفكرية وعلى رأسها يوسف سامي اليوسف الواقف في برزخ النص وصوفية الدلالة والإشارة، وهناك من المغرب العربي العديد من الباحثين عن مقامات نقدية تؤسس لرؤيا كاشفة ومنهم عبد السلام المسدي الذي أمضى أربعين عاماً في البحث واللسانيات واللغة ومستويات الخطاب المكتوب واللا مكتوب في بنى الحياة المختلفة.. ولا بد من نقد يمارس النقد على النقد في هذا المعنى الحرج للحظة الأكثر إشعاعاً وهي تمر من هنا..‏‏

كم نحتاج من الجهود والوقت لنقرأ ما أنتجه مبدعونا، والذين، ببصيرتي، أراهم متفوقين على بعض المفكرين والنقاد غير العرب، الذين نالوا شهرة واسعة قد تكون أكبر من مشاريعهم، لكن، هناك، على الضفة الأخرى من النص، من يقرأ، ويناقش، ويحاكم بمعايير موضوعية إبداعية لا تتعلق بالشخص، لأن منبعها النص أولاً، والنص ثانياً، والنص أبداً..‏‏

لا أكتب ذلك بمناسبة منح عبد السلام المسدي جائزة العويس، بل ما دفعني، إضافة إلى ذلك، الحوار الذي شاهدته على الفضائية السورية بين المسدي وأحمد جاسم الحسين، وما طرحه برامج هوامش ثقافية من أسئلة إشكالية وأجوبة منفتحة على حداثة المستقبل واحتمالات استمرار الوجود قاب انقراض وانبعاث.‏‏

ترى، أين المنتشرون تحت يافطة النقاد؟ وأين المهتمون بلغتنا العربية؟ ولماذا أغلب الفضائيات تفسد اللغة باللهجة المكسرة؟ هل تضافر العرب مع أعدائهم دون شعور فأنتجوا ما يؤهلهم للتراجع لا للمنافسة والتقدم؟!‏‏

أعتقد جازمة بأنه مادام في أمتنا الراؤون القليلون فنحن مازلنا في نص الزمان والمكان، لكننا بحاجة إلى البقاء لا الفناء، فإذا اخترنا الأول تساءلنا: متى سيتم تفعيل الطاقات النقية في مجالها الحيوي المناسب قبل فوات الأوان؟ ومتى سيتم إحراق المظلم والفاسد كي يشتعل الأوان؟ وهل يمتلك المثقف المبدع السلطة الملائمة ليقود اللحظة إلى لحظتها الأكثر اشتعالاً؟ أم أنه بحاجة إلى سلطة أخرى تساعده على الانوجاد في مداره المناسب ليضيء ما حوله لا ليحترق كما النجم عندما يقرر الانكماش والانفجار ليولد نجوماً أخرى؟!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية