|
شؤون سياسية فتسارع إدارة الرئيس أوباما لتخصيص مبالغ مالية تصل إلى نصف مليار دولار وتمارس في نفس الوقت ضغوطاً على حلفائها شرقاً وغرباً لتقديم المزيد من التبرعات والمساعدات ليس بشكل منفرد بل عن طريق صندوق دعم هاييتي الذي يشرف عليه جورج بوش وبيل كلينتون بتكليف من الرئيس أوباما شخصياً هو أمر يدعو للريبة حقاً، إضافة إلى أن إغاثة هاييتي كما يقولون عن طريق الشركات التي يملكها أو يرتبط بها كبار أعضاء الكونغرس الأميركي بما يتيح لهم البحث عن المزيد من الفرص الجديدة لجني الأرباح على خلفية عمليات الإنقاذ والدعم لجزيرة هاييتي. إضافة للشركات الإسرائيلية التي تنخرط هي الأخرى أيضاً في وضع مخططات تسابقية بما يتيح لها الحصول على موطئ قدم في الجزيرة المنكوبة والاستفادة من فرص السيطرة الأميركية الجارية عليها، إذ تقول التقارير إن كارثة هاييتي سوف تتيح للشركات ودوائر الأعمال الإسرائيلية الحصول على أرباح قياسية إذا ما أجادت مشاركة الشركات الأميركية في عمليات الإنقاذ أو السيطرة على مقدرات الجزيرة تحت هذا الستار الإنساني أو ذاك لافرق، فالأرباح ستزيد عن العشرين مليار دولار في فترة قياسية. وعلى هذا تسارعت جماعات المافيا الأميركية والإسرائيلية المتمركزة في أوروبا تحديداً وشركات جماعات اللوبي الإسرائيلي المتمركزة في العديد من دول العالم ولاسيما في الأميركيتين وكندا وأستراليا بالتسابق نحو الهدف «هاييتي» لاكتساب أكبر قطعة من كعكة هاييتي، وبدلاً من أن تعمد هذه الشركات الأميركية والإسرائيلية على وجه الخصوص لإعداد خطة للتخفيف من آثار الكارثة تسعى دوائر تلك الشركات لاستغلال الكارثة بما يتيح لكل من واشنطن وإسرائيل فرض سيطرتها التامة على الجزيرة لأسباب عدة. إن السلوك الميداني لهذا الثنائي الشيطاني إزاء ملف كارثة هاييتي أدى إلى نشوء وضع شاذ وغريب في السياسات الأميركية الجديدة من خلال تحويل مسؤولية تقديم المعونات والمساعدات من عاتق منظمات الإغاثة الدولية إلى الوكالات المدنية والسياسية والاقتصادية الأميركية بقصد الاحتفاظ بالسيطرة على هاييتي والاستفراد بها دون الغير وهي فرصة لن تتوانى عن استغلالها الولايات المتحدة أيما استغلال، ذلك لأن لواشنطن تاريخاً حافلاً في محاولات السيطرة على هاييتي، حيث كانت المحاولة الأولى في عام 1991 عندما نفذت انقلاباً عسكرياً أعدت له ونفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وذلك للإطاحة بالنظام الديمقراطي الذي كان فيها والمعادي للتوجهات الأميركية الاستعمارية وأعقب حدوث ذاك الانقلاب نشاط عسكري أميركي وخاصة لفرق الموت التي نجحت آنذاك في اغتيال وتصفية قادة الرأي المعادين للسياسة الأميركية بالجزيرة. وكذلك في عام 1999 كانت لواشنطن محاولة ثانية، حيث أصدرت بالاتفاق مع النظام الحاكم في الجزيرة قراراً تم بموجبه تسريح الجيش في هاييتي وتم استبداله بشركة (داينكورب) للخدمات الأمنية وكانت هذه الشركة واجهة حقيقية وتابعة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. كذلك الأمر في عام 1994 قامت أميركا بإرسال عشرين ألف جندي للجزيرة لقمع الانتفاضة التي حدثت ضد النظام الديكتاتوري العسكري الموالي لواشنطن في الجزيرة هاييتي تحت ذريعة مساعدة المدنيين والحفاظ على الأمن والاستقرار وها هي اليوم تعاد الأمور من جديد، حيث اتصل الرئيس أوباما بالرئيس في هاييتي وتم الاتفاق على ضرورة تقديم الدعم الأميركي للجزيرة والتكتم على ماهية هذا الدعم لكن الأمور انكشفت على أن تكون المساعدات الدولية محصورة في توجيه طريقها وصرفها والإشراف عليها أميركياً حصراً، وبالتالي بما يتيح لنشر المزيد من القوات الأميركية في الجزيرة بحجة الإشراف على عمليات الإغاثة وبما يؤدي إلى جعل التمركز الأميركي في الجزيرة يأخذ الأمر الواقع الذي لامفر منه، وهو مايشكل في الحقيقة مثاراً للسخرية لهذا الاستغلال الأميركي الإسرائيلي البشع والقذر حيال هذه المأساة الإنسانية لهاييتي، ولعل الأمر ليس بجديد على هذا الثنائي الأميركي الإسرائيلي الذي لايحكمه أي وازع أو ضمير إنساني سوى مصلحته التي لايعلو عليها أي شيء، فمثال غزة بالأمس القريب ليس ببعيد عنا حين وعد المانحون بتقديم أربعة مليارات دولار لإعادة إعمار غزة لكن سرعان ماتبخرت هذه الوعود في إطار الحصار والضغط الأميركي الإسرائيلي. إن حقيقة النيات الأميركية والإسرائيلية من مسك زمام المبادرة في الانفراد سوية للتحكم بمسار وكيفية وصول وتوزيع المساعدات لهاييتي بدأ ينكشف من خلال منع أميركا للطائرات وسفن المساعدات القادمة حتى من أوروبا وعلى وجه الخصوص من فرنسا باستثناء الطائرات والسفن الإسرائيلية التي تصل على جناح السرعة إلى الجزيرة وكذلك من خلال طلب واشنطن لحلفائها وغيرهم بمن يرغب بتقديم المساعدات لهاييتي أن يقوموا بتسليمها حصراً لأميركا والتي تقوم هي بالإشراف على إيصالها وتوزيعها وهو ماجرى الاتفاق عليه مع قادة الجزيرة، حتى إن المسؤولين الأميركيين لم يتوانوا على التأكيد أن القوات الأميركية في هاييتي ستكون المسؤولة عن معالجة الأوضاع الصحية والإنسانية وحماية المواطنين من عمليات النهب والسلب الحاصلة في هذه الجزيرة «هاييتي» التي يبلغ عدد سكانها نحو عشرة ملايين في حين يبلغ ناتجها المحلي الإجمالي مايزيد عن 11.5 مليار دولار. ولعل مثل هذا الناتج قد لايهم كثيراً أميركا بقدر مايهمها موقع هاييتي والسيطرة عليها ما يعطيها ميزة قوة إضافية لحرمان كوبا وفنزويلا وبقية المعادين لأميركا الحاليين والمستقبلين من أميركا الجنوبية من أي موطئ قدم لهم في هاييتي، إضافة إلى أن تواجد أميركا العسكري والأمني في هذه الجزيرة سيساعد واشنطن على بناء شبكة تحالفات في دول المنطقة ولاسيما مع الدومينكان وبربادوس وغيرهما بما يجعل البحر الكاريبي بحيرة أميركية مطلقة. |
|