تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لحظة التصادم بين الأمة والكيان المصنوع

شؤون سياسية
الأربعاء 20-1-2010
د. أحمد الحاج علي

الكيان الإسرائيلي عدونا لم نختر نحن ذلك ولا يبعث فينا العداء النشوة، نحن نتاج الإنسانية ونحن طلاب الحرية، لسنا هواة حروب وقتل وتدمير، وإنما ندفع عن أنفسنا القتل والتدمير، كما كانت ترد هذه الفكرة في أمر القتال الذي أطلقه الرئيس حافظ الأسد رحمه الله في ظهيرة اليوم الأول من حرب تشرين المجيدة،

هم الذين بنوا وجودهم التاريخي والسياسي على قواعد القتل والعداء للآخر والاستكبار عليه، هم الذين أعني (يهود السياسة) رأوا حياتهم في موت الآخرين واستمدوا مصادر حياتهم عبر سلب الآخرين، ولم تكن الممارسات عندهم مجرد تطبيق لمشاريع كولونيالية صهيونية فحسب، نعم لقد وجدوا في هذا السياق لكن الأخطر الذي أهلهم لمثل ممارسات العدوان والقتل والتدمير هو نسق آخر من القيم المستقرة والبروتوكولات المحفوظة والمزايا الأخلاقية المتوارثة وهي جميعاً لاتغادرهم وهم جميعاً لايغادرونها، لقد استبدت بالحركة الصهيونية عقلية (الفيتو) وفكرة الأغيار (أغومنيم) فصار كل من خارج السور عدواً مطلقاً ونهضت القاعدة الأيديولوجية عندهم بأن الآخر هو عدو وإن لم تقتله قتلك، وهكذا صارت فكرة القتل قاعدة وضرورة وسمة أخلاقية لكل التجمعات الصهيونية والتي تجسدت في الأعوام المئة السابقة بصيغة الكيان الإسرائيلي الراهن، كنا نحن العرب ومازلنا نفسر أفعال الصهاينة بأقوالهم وأقوالهم بأفعالهم، لم نذهب إلى العمق إلى مصادر التكوين ومنابع الحركة ومراصد المستقر والمتحول عند الصهاينة ولهذا السبب مازلنا نقع في مطب الدهشة والمفاجأة، ننجذب إلى أفعالهم الراهنة ولا ننسب سلوكهم إلى مصادر تكوينهم، ومنذ النكبة في العام 1948 كان يتوجب أن نقحم العقل وثقافة التاريخ بما لدى هؤلاء اليهود وبما يحكمهم ويصوغ عقلياتهم ويؤجج لغة القتل بدم بارد أو حار لديهم، والعرب بالنسبة للفكر الصهيوني وللسياسة الصهيونية هم في رأس قائمة الأغيار، وهم مع غيرهم حراثون وكرامون عند بني اليهود، وتقول تعاليمهم أنت لست آمناً مادام العربي جارك، وينشرون مساحة من أساطير التاريخ ومن التعاليم الدينية حتى ليتوجب على كل يهودي أن يعتقد بأنه مكلف بأمر الرب بقتل الآخرين ولاسيما حينما يكون الآخرون هم العرب، وتضيف عقائدهم عنصراً آخر فهم معفون من المساءلة ولهم أن يحكموا الرب (يهوه) بينما يكون الرب الخالق هو الحاكم لكل أمم الأرض وشعوبها، إن هذا السفر مؤلم للغاية ولسنا فرحين به لكن أمانة الحياة تتطلب أن نحذره وأن نواجه موجات خطره وأن نصحو على إيقاع الجريمة الصهيونية وهي تقتل أطفالنا وتدمر معابدنا وتحرق شجرنا وتزيف أثرنا، إننا كثيراً ما نتفاعل مع الأوهام ونحن نطرح أفكاراً إنسانية عليا مثل السلام، والسلام عندنا طبع وطبيعة، ثم هو في السياسة خيار استراتيجي، والسلام عند الصهاينة اغتصاب للحق وإنكار للمواثيق وهو في المحصلة مقبرة لليهود أنفسهم لأنهم ولدوا ووصلوا إلى مستوى الكيان عبر الحرب والقتل والفتنة، سوف يكون لزاماً هنا أن نتدخل فكرياً لنبحث عن الأسباب في جوهرها وعن الممارسات في تشكيلاتها الصهيونية الراهنة، إن الله لايخلق مجموعة معتدية من البشر بل إن هذه المجموعة هي التي تتشكل بإرادتها ومعاييرها على قاعدة العدوان ومنطقه ولقد تضافرت كل العوامل الذاتية والموضوعية لكي تفقد الصهيونية وإسرائيل ثلاث قواعد إنسانية مشتركة في كل التشكيلات الحضارية للأمم قديمها وحديثها، أما القاعدة الأولى فهي قائمة في مفهوم الأمة وهو مفهوم مؤسس وضامن ومعياري، وحدهم اليهود لم يتكونوا على أساس مفهوم الأمة لذا خرجوا على كل قواعد الأمم وأخلاقيات تكوينها ولذا هم حاقدون على أي أمة لها كيان تاريخي، حاقدون على الأمة العربية وعلى الأمة التركية وعلى الأمة الفارسية وعلى الأمة اليونانية والإغريقية وعلى كل أمم الغرب الحي لا الملوث، وعقدة الصهاينة الآن أن الحرمان من مفهوم الأمة عندهم يتم تعويضه بالحرب والاستعلاء وحياكة المؤامرات والغلو في الوصول إلى تكنولوجيا القتل والنظرة إلى الإقليم على أنه مجال حيوي لأمن إسرائيل، والقاعدة الثانية التي حُرم منها الصهاينة تتمثل في قواعد السلوك السياسي وفي كيفية التعامل مع التجمعات البشرية، هم لايعرفون أن الله خلق البشر شعوباً وقبائل لتتعارف وتتكامل ولم تخلق لكي يدمر بعضها الآخر وتستبد بها دسائس القوة المادية الصماء حتى ليصبح الحق هو القوة بدلاً من أن تكون القوة هي الحق في أصلها، وحينما طردت هذه المعايير من الثقافة الصهيونية والتربية الصهيونية سهل عليهم اتخاذ قرار الحرب وتدمير المدن والقرى وارتكاب المجازر وحصار غزة، ثم زينت لهم أحلامهم المريضة أن يتعاملوا مع تركيا على قاعدة الاستعلاء والإهانة والنموذج ماحدث في مؤتمر دافوس ورد عليه رجب طيب أردوغان، والنموذج هذا السلوك المشين لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي في تعامله الجلف والمهين مع السفير التركي، لقد نسي الكيان الإسرائيلي أن الأمة الحية قد تستوعب وتصبر ولكنها تعرف كيف ترد على الإهانة والمهانة الصهيونية، وأما القاعدة الثالثة والتي يفتقدها اليهود فهي التبصر بمصير الأمم على إيقاع المستقبل إنهم يرون الآتي مضموناً إذا ماتم تدمير وجود الأمم في الزمن الراهن، إنهم بلا مستقبل،لأن الذي يحرم الآخرين من مصيرهم ومستقبلهم يكون قد حرم نفسه ضمناً من أمان المستقبل ونزعة الاستمرار الحي في التاريخ، لقد قدمت تركيا نموذجاً مبسطاً للرد على إسرائيل في عمقها وعقمها معاً، بقي أن نصاب نحن العرب بالعدوى التركية النبيلة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية