تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عندما يرفع ديك تشيني رأسه!

واشنطن بوست
ترجمة
الأربعاء 20-1-2010
ترجمة: ريما الرفاعي

كنت عاهدت نفسي أن أتجاهل خلال العام الجديد الثورات المجنونة التي تصدر عن ديك تشيني بين الفينة والأخرى,

وأن أتعامل معها كما أتعامل مع الِحكم التافهة التي يسمعها المرء عادة من المتشردين في محطات الحافلات.‏

لكن الأمر يتعلق هنا بنائب رئيس أميركي سابق، يتيح له المنصب الذي كان يشغله الكثير من المنابر كي يدلي بتصريحاته الحمقاء.‏

وربما من غير الحكمة أن يتجاهل المرء زيف أكاذيب وتلفيقات تنشر على نطاق واسع.‏

وفضلا عن ذلك فإن التصريح المدوي الذي أطلقه تشيني أخيرا يعج بالأكاذيب والمغالطات إلى درجة ربما يتعين عليّ الإخلال بوعدي سالف الذكر.‏

فقد حاول تشيني في تصريحه لصحيفة (ذا بوليتيكو)، تقديم رؤوس أقلام حول نقاط الانتقاد التي يوجهها خصوم إدارة أوباما الذين يستغلون الآن, على نحو لا يصدق, المحاولة الإرهابية الفاشلة يوم عيد الميلاد من أجل تحقيق مكاسب سياسية.‏

واستهل تشيني بيانه بكذبة مدوية، ظل يكررها، من منطلق أن قول الشيء وتكراره مراراً بصوت قوي، سيجعله على نحو ما كأنه حقيقة.‏

وبدأ تشيني بالقول: (بينما كنت أتابع أحداث الأيام القليلة الماضية، يبدو أن الرئيس أوباما يحاول التظاهر بأننا لسنا في حالة حرب).‏

والحقيقة أن أوباما قال في مناسبات عدة إننا في حرب ضد الإرهابيين قالها كمرشح خلال الحملة الانتخابية, وقالها في خطاب تنصيبه: (إن بلدنا في حالة حرب ضد شبكة واسعة من العنف والكراهية), ومنذ ذلك الوقت وهو يرددها، دون انقطاع.‏

وكما يعلم تشيني, إلا إذا كان فقد اتصاله مع الواقع، فإن اعتماد أوباما على الحرب كوسيلة ضمن جهود محاربة الإرهاب, لم يجلب له سوى المتاعب والانتقادات من الجناح الليبرالي لحزبه.‏

ولكن، ألم يخبر أحد تشيني أن أوباما يعمل حالياً على تعزيز حجم القوات الأميركية في أفغانستان في محاولة لتجنب خسارة حرب بدأتها إدارة بوش؟‏

لا شك أن تشيني يعرف ذلك، ولكنه يأبى إلا أن يستمر في اختلاق الأكاذيب الكبيرة بهدف ترهيب وانتقاد الإدارة الحالية حول عدد من القضايا.‏

ويزعم تشيني أن الرئيس يعتقد على ما يبدو أنه إذا أغلق معتقل غوانتانامو وأطلق سراح إرهابيي القاعدة المدرَّبين، فإننا لن نكون في حرب.‏

والواقع أنه أمر مثير للاهتمام كون تشيني بالذات هو الذي أثار هذا الموضوع، لأنه بات واضحاً اليوم أن الرجل المتهم بمحاولة تفجير رحلة (نورث ويست – 253)، عمر فاروق عبد المطلب، تلقى التدريب, وربما القنبلة نفسها، التي تشمل متفجرات بلاستيكية خيطت في سرواله الداخلي, على أيدي عناصر القاعدة في اليمن.‏

واللافت هنا أن رجلين على الأقل ممن أُفرج عنهم من غوانتانامو واصلا كما يبدو لعب أدوار رئيسية في التنظيم باليمن.‏

والسؤال الذي يطرح نفسه: من أفرج عن هذين الرجلين الخطيرين اللذين كانا معتقلين لدينا؟ من فعل؟ إنها إدارة بوش وديك تشيني.‏

ويبدي تشيني غضبه لأن إدارة أوباما تعتزم محاكمة خالد شيخ محمد، مهندس هجمات 11 أيلول، في نيويورك, وتشيني غاضب أيضاً لأن أوباما لا يستعمل عبارة (الحرب على الإرهاب) كثيراً، على غرار ما كانت تفعله إدارة بوش.‏

وفي نهاية تصريحه ينحرف تشيني عن الطريق تماماً ويخرج عن طوره، ويبدأ الهيجان محتجاً على سعي أوباما لإحداث تحول اجتماعي أو إعادة هيكلة المجتمع الأميركي,ويفهم من السياق, أن هذا الانتقاد مرتبط بالتنصل المفترض من الحرب, وهو طبعا غير صحيح .‏

ولكن هذا يفضح بعض النوايا ويدفع المرء ليتساءل حول ما إن كان تشيني يعمل فقط على تغذية أوهام اليمين الذي يعاني من الشكوك المرَضية، أو أنه قد انضم إلى حركة حفل الشاي المحافظة داخل الحزب.‏

في الواقع لم أعثر على أسباب لانتقاد الطريقة التي ردت بها الإدارة الحالية على محاولة الهجوم الإرهابية يوم عيد الميلاد.‏

نعم لقد كان أوباما وفريقه بطيئين في الرد، وتصريحاتهما الأولية كانت ضعيفة, كما أنه لم يكن مناسبا أن ينتظر ثلاثة أيام قبل أن يتحدث حول الموضوع علناً، وحين قام بذلك كان يجدر به أن يبدي بعض المشاعر, ولكن أن يستعمل هجوماً إرهابياً من أجل تحقيق مكاسب سياسية، فذاك أمر غير مقبول, وعلى أي حال، فلدي عهد، أقترح على تشيني أن يقطعه على نفسه بمناسبة العام الجديد: قبل أن تسعى إلى تبرئة نفسك، ضع أولاً مصلحة بلدك قبل كل شيء، وفوق كل اعتبار آخر.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية