تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التعليم العالي.. حلم جميل لم يسعد الشباب

شباب
الأربعاء 20-1-2010
لينا ديوب

إضافة الى الابتعاد عن الأسرة والشعور بالاستقلالية، يتطلع الشاب أو الفتاة الى التعليم الجامعي على أنه انتقال الى مستوى من التعليم مختلف,

هو من أعلى المستويات التدريسية من حيث المنهج والأسلوب والعلاقة مع الأساتذة، والمشاركة في أنشطة مختلفة، إلا أن ذلك الحلم الذي عمل وسهر لتحقيقه الشباب في المرحلة الثانوية، سرعان ما يتبدد، فها هي لما تنه سنتها الثانية في قسم اللغة الانكليزية دون أن تستطيع التحدث بالانكليزية، وهي كما تقول تستمر بنفس الطريقة التي كانت تتبعها بالثانوية لتحفظ المزيد من المفردات لتقوية لغتها، لأن طريقة التدريس لم تقدم لها شيئا جديدا أو مختلفا عن المدرسة الثانوية.‏

أما هيثم فيقول: لولا الشلة التي أنتمي اليها في كلية الحقوق، والأنشطة التي نقوم بها بمفردنا، لما شعرت بأنني انتقلت الى مرحلة جديدة، لأنه عندما يتعلق الأمر بالدراسة والامتحان فالقصة حفظ واستذكار، لاحلقات نقاشية، ولاتدريبات، أتخرج بعد سنة دون تغيير عن أسلوب الثانوية. وأغلب الطلاب والطالبات الذين أو اللواتي سألتهن عن توقعاتهم لم يبنوها بناء على معلومات جمعوها عن هذه الكلية أوتلك، أو عن كيفية الدراسة ومستلزماتها وأسسها في الجامعة، وان كان لديهم أفكار مسبقة عن الأقسام والكليات الجامعية التي سيدرسون فيها، وانما يحملون صورة في أذهانهم لا تتعدى كونها مجرد توقعات وأحلام عن الجامعة ومايدور فيها سواء من الناحية العلمية أم من جانب العلاقات والأنشطة.‏

الا أنهم بأغلبيتهم كانت لديهم انطباعات مسبقة عن التعليم العالي من حيث كونه نظاماً تعليمياً أكاديمياً عالياً، وذلك قبل حصولهم على الشهادة الثانوية، لكنهم يؤكدون أن هذه الأفكار والانطباعات التي كانوا يحملونها عن التعليم العالي سابقاً قد تغيرت بعد ذلك عندما وجدوا أنفسهم وجهاً لوجه مع المناهج الجامعية من حيث الدراسة والمناقشة سواء بالنسبة للكليات التي تتطلب حضوراً ووظائف عملية، او التي لاتتطلب حضورا. فلم يجدوا الحلم او الشيء الجديد من حيث الشكل والمضمون أي بين النظرية والتطبيق، فالمناهج القديمة والطرق التقليدية في التدريس، كذلك عدم وجود نشاطات ترفيهية وانعدام الفعاليات الثقافية إضافة إلى كثرة عدد الطلاب مقارنة مع ضيق المدرجات، كل تلك الأسباب تجعل ذلك الحلم يتلاشى وهي بنفس الوقت تحول دون تطور العملية التدريسية، وبالتالي فإن الطالب وقبل دخوله فعلياً إلى الجامعة يظن أن الحلم الجامعي مختلف تماماً عن جميع الأحلام التي فكر بها سابقاً ذلك أن المرحلة الجامعية تتميز بأنها الأعلى ثقافياً وتربوياً وتعليمياً من بين جميع المراحل الدراسية التي مرّ الطالب بها سابقاً، لكن الواقع هو أنه وبمجرد مباشرة الطالب بالدوام يكتشف أن طبيعة المحاضرات في الجامعة لا تختلف عن الدروس التي كان يتلقاها في المدرسة، وأن أسلوب التدريس والمدرسين لا يختلف في الجامعة عنه في المدرسة.‏

يحدد الباحث أيهم أسد خصائص منظومة التعليم العالي في الورقة التي قدمها لمنتدى المرأة والأعمال عن هيئة الأسرة بما يلي: سيطرة أسلوب التلقين على طرق التدريس، وتحول الطالب إلى نموذج الطالب المتلقي، أو نموذج البنك الكمي للمعلومات، ما دفن المبادرة والإبداع، والتطوير الذاتي للمتعلمين، أي إن التعليم العالي يركز على المعرفة النظرية الاسترجاعية التي تقوم على تنمية الذاكرة الصماء فقط. وسيطرة المقرر الجامعي على العملية التعليمية وإلزام الأستاذ والطالب بحرفيته تقريباً، وغالباً ما تعاني تلك المقررات من تقادم علمي معرفي، وتكرس لأفكار علمية ماضوية، لا تتناسب مع الحداثة العلمية، وعصر تدفق المعرفة، والتغير العلمي المستمر، وهو ما يسبب انفصالاً بين العلم والواقع العملي، بالاضافة الى غياب مفهوم وممارسة «الحرية الأكاديمية» في الجامعات، والمستندة أساساً على التتبع المنهجي للحقيقة والمعرفة والتعامل معها دون قيد أو شرط من أي سلطة خارجية للوصول إلى حقائق موضوعية، ومعرفة اجتماعية مسؤولة تتبناها الجامعة وتعممها وتنشرها.‏

ضعف تعليم اللغات الحية والمعلوماتية للطلاب، ما يسبب فجوة لغوية معلوماتية تفصل الخريج عن حاجات سوق العمل، والنتيجة هي تخريج طالب كلاسيكي، في حين باتت الجامعات اليوم تخرج ما يسمى بـ«الطالب المعرفي»، وهو ما يرتب على الخريج الكلاسيكي تكاليف مالية وزمنية لإعادة تأهيل ذاته لغوياً ومعلوماتياً.‏

ارتفاع عبء الطلاب بالنسبة للأستاذ الجامعي ما يضعف التواصل والتفاعل مع الطلاب، ويسبب ضغوطاً تعليمية ونفسية للأستاذ والطلاب، وخاصة في الفروع ذات الدراسات النظرية كالعلوم الإنسانية والحقوق والاقتصاد إذ تصل هذه النسبة إلى 1.95 في حين أنها تصل في جامعات الخليج إلى 1.22، وفي الجامعات الأوروبية إلى 1.15.‏

مع ضعف الإنفاق على تمويل البحث العلمي والنظري، إذ لا يتجاوز ما تنفقه سورية على البحث العلمي والتطوير 0.18% من الناتج المحلي الإجمالي وهذه النسبة تقل كثيراً عن النسبة الحرجة الموصى بها عالمياً لأي دولة وهي 1%، كما أن وسطي الإنفاق على التعليم العالي لم يتجاوز خلال السنوات العشر الماضية الـ12.5 مليار ليرة سنوياً أي ما نسبته 3.6% من إنفاق الموازنة العامة.‏

وهذا يؤكد ماقاله الطلاب أن ما كانوا يحلمون به قد يتلاشى مع أول أسبوع لهم في الجامعة، وليس النظام التعليمي السبب الوحيد بتحطم ذلك الحلم، بل ضيق الأحوال المعيشية والحاجة الى العمل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية