|
فضائيات تلك الطريقة المفعمة بالدهشة الممزوجة بكلام جميل يربّي في تلك الطفلة إحساسها بقيمتها عند نفسها و قيمتها أمام الملايين من متابعي البرنامج: «أنت فتاة مذهلة و تستحقين أن تقفي على الخشبة بكل جدارة...»، أو جملة من قبيل: «جدير بوالديك أن يفخرا بموهبتك و أن يفرحا بها»، بالإضافة إلى التصفيق الطويل و قيام أحد الراقصين الشباب من المشاركين في المسابقة بحملها على كتفه و الدوران بها ليخفف من دموع خسارتها و خروجها من البرنامج. يثير غضبي لأنني أقع فوراً في مطب المقارنة مع أحوال أطفالنا ممن يملكون مواهب ساحرة و إمكانيات نادرة لكنها تُقتل بسبب الإهمال و التجاهل، ولكني أقول «مطب» المقارنة إذ أنها تحمل في جانبٍ منها ظلماً لوجهَي المقارنة أو المشابَهة لاختلاف البيئة و أنماط المجتمع و... إلخ، وفي نفس الوقت لاأقدِر أن أهادن و أدير وجهي عن ظلم أكبر يقع على الموهوبين الصغار (و غير الموهوبين أيضاً) بحرمانهم. و تحت ثقل هذا التخويف، يتأتئ الطفل و ينكمش ليس فقط أمام أي لجنة فاحصة و في أي مسابقة للمواهب إن وجدت، إنما أمام الناس أيضاً، و في حياته اليومية، و تحديداً أمام كاميرا التلفزيون (عين الكاميرا هنا تصبح عيناً مراقِبة و تجسّداً لتمثيلات سلطوية تملك القوة و السيطرة على الطفل: عين الأب، عين الأم، عين الأستاذ و الآنسة في المدرسة)، الكاميرا التي تتحول بالنسبة للأطفال إلى وحش مخيف كما في خيالات قصصهم، يرتعدون أمامها كأفراخ وقعت في الماء، تزيغ عيونهم في الفراغ، يشردون، و يقعون خارج الكلام. أتابع باهتمام و إعجاب مقدمَي برنامج الأطفال «زينة الدنيا» على التلفزيون السوري، الطفلين خالد المصري و ماجد عجلاني، و أهنئهما على جرأة لم يمتلكها العديد من مذيعينا و مذيعاتنا، و تلقائية أتمنى أن لا تجردهم منها تعقيدات العمل التلفزيوني و تشابكات الروتين مع ضغط التهميش والإلغاء التي قد تمارس عليهما. أتابع، أستمتع بالمشاهدة، أتذكر طفولتي، و أضحك من قلبي على التماعات الذكاء الحاضر و روح الدعابة التي يتمتع بها الطفل خالد المصري حين يصر دوما على الحديث باللغة العربية الفصحى منتقداً بخفة و لباقة جميلة جداً زميله ماجد عجلاني- الذي لا يقل عنه طلاقةً و لباقةً و قدرة على تقبل الملاحظة و الأخذ بها- حين ينسى و يتكلم بلهجة عاميّة أثناء أدائه لفقرات البرنامج. كما أنه لا ينسى أن يُذكّر المتصلين الأطفال بوجوب التكلم باللغة العربية الفصحى، و محاولة تصحيح أخطائهم، بل و محاولة مساعدتهم على الإجابة و التحرر من الخجل. أشاهد، أستمتع، أضحك، و أتمنى لنفسي و لكل الأطفال الآخرين أن نمتلك طلاقة هذين المقدمَين في الكلام. إنها بالتأكيد خطوة تحسب للقائمين على اختيار الطاقات البشرية الموجودة في التلفزيون السوري و تحسب لمعدّة البرنامج (ليندا وكّاع)، ولكن الرهان يكمن في الاستمرارية، و الاستمرارية هنا تعني أن يتحول هذان اليافعان إلى مثال لحالة خلق مستمرة لمبدعين آخرين، و أن يتم الوقوف إلى جانبهم بدعم حقيقي مادي و معنوي ليصنعا مستقبلاً مهنياً تصقله التجربة المتكررة و الجهد المثابر. قد يبدو كلامي تنظيراً أو قد يبدو كلاماً يطالب بمثالية غير موجودة و مستحيلة ولكنني أذكر هنا كلاماً لمؤسس و مدير معهد المخترعين السوريين الدكتور نزار فريسان الذي أكد عبر سيرورة واعية من العمل و التواصل مع مخترعين شباب: «إن البيئة المناسبة و الجيدة هي التي تصنع المخترع و المبدع في أي مجال». |
|