تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ضوء على الشعر في مرابع بني حمدان

كتب
الأربعاء 20-1-2010
فادية مصارع

رحّالة شاعر ناقد وباحث مجدٌ تنقل مع الشعر السوري الحديث عبر قرن من الزمن، لم يكن هدفه أن يصدر معجماً أو أن يؤرخ للشعر،

جلّ مبتغاه أن تكون قراءاته في الشعر السوري الحديث محاورات أشبه بالدراسة الأدبية لنصوص شعراء المكان والمكانة الأهم فيها.‏

وقد شمل تقويمه العام للشعراء - حسب د. فاروق إسليم، الشعراء باطلاعه على مجمع الساحة الشعرية في المحافظات السورية وأطرافها متنقلاً شرقاً وغرباً ليجعلها في أقسام أربعة: شعراء حلب ثم إدلب، وشعراء حول الخابور يليهم شعراء حول الفرات، وتناولت قراءاته الشعرية اثنين وأربعين شاعراً وشاعرة بالترجمة والدراسة بعضهم شعراء كبار من الرعيل الأول وفي مقدمتهم العمرون: كعمر أبي ريشة ثم عمر بهاء الأميري وعمر أبو قوس، ولكن أكثر ما يدهشه شاعر الدهشة في بيته الأخير وقصصه الشعرية ذات العبر والخبر، والتي لاتزال أطلالها شاهدة على شاعر حلبي كبير صاحب رائعة (يا عروس المجد تيهي) التي ألقاها في ذكرى الجلاء، اليوم الذي لا ينساه الناقد جميل حسن، إذ كان حاضراً حافظاً وشاهداً على ذلك اليوم العظيم.‏

ومن شعراء حلب يذكر أيضاً، سعيد رجو، وإلياس هداية وغيرهما.‏

ومن حلب إلى إدلب حيث الشاعر صالح الرحال ومحمد خالد عمر وعبد القادر أسود وآخرون.‏

ليعبر بعدها إلى ما حول الخابور ويغوص في عذب الفرات باحثاً عن الشعراء حوله ومنهم الشاعر والطبيب المشهور وكاتب القصة والروايات والمقامات د. عبد السلام العجيلي والغريب هو ولوجه فجأة إلى ملامح الشعر الفراتي للأستاذ طارق علوان وهو بذلك يخرج عن المخطط الذي رسمه لكتاب مبرراً أنه سيجعل الدور لكتاب في النقد عنواناً لبحثه لأنه يحتوي على مادة بحثية غنية وشواهد لشعراء مبدعين قد يجد فيها بعض المرتكزات التي تساعده في محاورة أشعار من يحصل على أعمالهم، منتقلاً إلى هدفه التالي وهو الشاعر محمد الفراتي الذي فقد ديوانه ولم يجده عند أحدٍ من أصدقائه رغم البحث الطويل والمضني، وفي دراسته لهذا الشاعر يصرح الدارس أنه يقاتل على جبهة عريضة صعبة المداخل، وعرة المسالك لأن من يقرأ ديوانه يجد نفسه وكأنه يعاصر صفي الدين الحلّي، أو البهاء زهير، أو البوصيري أو من هم في صفهم، وإذا قرأ المرء ترجمته عن الفارسية وجد نفسه كأنه يعاصر أحمد رامي أو أحمد شوقي، ومن في صفهما.‏

من الفرات يسبح عكس التيار ويعود مستأنفاً محرجاً إلى الرقة ليردّ لشعراء الرقة التحية رغم وصول أعمالهم ونتاجاتهم متأخرة.‏

وفي ختام دراسته يهبط هبوطاً اضطرارياً في منبج ليقدم نماذج من أشعارهم التي وصلته أيضاً متأخرة بعد أن كان أنجز الجزء الرابع من قراءاته في الشعر السوري الحديث وإن وجدها تستحق كتاباً كاملاً، لكنه يضطر أن ينوه عنها في ملحق أضيف آخر الكتاب تحت عنوان: «شعراء من منبج» وهم الشاعر عبد السلام كنعان وموسى داود حسن، ومحمود حمد الدالي وحسن النيفي، وصلاح إبراهيم الحسن وعلي صالح الجاسم، وأحمد عبد اللطيف.‏

اللافت في الدراسة هو الأمانة في العمل وذكره الخطوات والصعوبات التي واجهته، فالشاعر الفراتي لم تصله دراسة نقدية عن شعره، ولا عن حياته، ولم يكتب في أي من المراجع الثلاثة التي وصلته ميلاده ولا نبذة عن حياته، وهو المنعوت دائماً بالشاعر الكبير، فبعد لأيَّ استطاع أن يستنتج من معلمين مرافقين أنه عاش في القسم الأكبر من حياته في القرن العشرين، حتى أنه تجاوز النصف الأول منه إلى القسم الثاني ثم إن وزارة الثقافة تقول في تقديمها «روائع من الأدب الفارسي الصادر عام 1963 إن الكتاب تُرجم بتكليف من الوزارة فالمحقق إذاً كان لا يزال حياً في العام نفسه لا بل هو قادر على الترجمة».‏

من الشعراء من اكتشفهم بالمصادفة كالشاعر عبد القادر الأسود الذي قابله في اتحاد الكتاب وقدم له نفسه على أنه شاعر صوفي ليكتشف بعدها أنه تأثر ببعض مشايخ الطرق التي تسمي نفسها صوفية، لكن لا ينكر أنه قدم له عدداً من دواوين الشعراء من محافظة إدلب كانت عوناً له في إنجاز مهمته.‏

وآخرون التقاهم في مهرجانات شعرية كالشاعر مجيب السوسي الذي تعرف إليه أول مرة في مهرجان المعري العاشر بالمعرة عام 2006، أو في مراكز تصحيح الامتحانات كالشاعر المدرس جورج سعدو الذي كان يقرأ لأصدقائه شيئاً من أشعاره في أوائل سبعينيات القرن المنصرم.‏

وبفضل مؤلف الكتاب تعرفنا على أسماء شعراء لم نكن نسمع بهم لولا الجهد الذي قام به مقدماً للقراء أشعارهم مع دراسة أدبية نقدية ونذكر على سبيل المثال، توفيق قنبر المولود في دير الزور والذي وصف بالشاعر الثائر، وقد نهض لجمع أشعاره وطباعتها نفرٌ من أدباء بلده وشعرائها وشكلوا ما أسموه تراث الشاعر المفكر «توفيق قنبر» وأصدرت اللجنة الجزء الأول من شعره تحت عنوان «تأملات» وهو ما حاول المؤلف بحثه.‏

المهم أن الباحث قدم في كتابه صورة حية للمشهد الشعري في سورية شمل معظم محافظاتها، أما التقصير في تقديمه لبعض الأسماء اللامعة فيرده د. عبد الكريم الأشتر لذنب صغير ارتكبته هو أن القدر لم يضع في يد صاحب الكتاب، عملاً من أعمالهم من مثل الشاعر محمد كمال وفواز حجو من حلب وشعراء آخرون، وباعتقادي أن أي عمل بحثي لا يمكن بأيِّ حال من الأحوال أن يعتمد على القدر أو الحظ أو المصادفة فلكل مجتهد نصيب.‏

الأستاذ (جميل حسن) بشهادة أصدقائه يبدو في هذا الكتاب كبيراً في ذوقه المدرّب على قراءة الشعر، بثقافته العربية الأصيلة، والمطلة على كل من يفد إليها، ونحن نقول كما قال المؤلف قبل تعريفنا بالشاعر مجيب السوسي: «إلى الآن ونحن نوقف الشعر على الباب، لم نأذن بالدخول حتى يدلي بشهادته، ويقيم الحجة معنا أو علينا فلندعه، ولنصغ إليه». هي دعوة إذاً للقرّاء والنقاد للحكم على العمل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية