تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التناص في الشعر الكويتي الحديث

كتب
الأربعاء 20-1-2010
أنور محمد

تذهب الباحثة والناقدة الكويتية «كاملة سالم العياد» في كتابها (التناص في الشعر الكويتي الحديث) إلى دراسة ثلاثة شعراء كويتين هم «فهد العسكر,

أحمد العدواني, ومحمد الفايز. جمعهم كما تقول؛الهم والحلم والاغتراب, وحبهم لوطنهم وفناؤهم فيه, وذلك بتأملات فلسفية كونية تفتح الآفاق للقلب والعقل معاً, واتخذوا الرمز وسيلة لهم ليحلِّقوا كيفما شاؤوا, ويستدعوا ما شاؤوا من الكتب السماوية, والتراث الإنساني والتاريخ في تناصات متنوعة تكشف ثقافتهم. فتدرس ثلاثة أنواع من التناصات في شعرهم:الديني, التاريخي, الأدبي.‏

فالشاعر أحمد العدواني(1923-1990) أثمر قلقه وحزنه وغضبه في ثنايا شعره لغة رمزية عبر فيها عن رؤاه فكرياً وثقافياً وفنياً واجتماعياً.ففي لغة صوفية واضحة يقول: ضاق بما يجول في ضميره, وضاقت العبارة, فارتبكت أشواقه وأربكت أشعاره. و كفي (ضاقت العبارة) تناص مع أفكار وتوجه الصوفية حيث يقول «النفري»:إذا اتسعت الرؤيا ضاقت العبارة. وفي قصيدة له يقول:‏

وقفت بالواد المقدَّس ساعة‏

وأخذت عن نفحاته أشعاري‏

إذ نلاحظ تناصاً دينياً في (الوادي المقدس) مع الآية الكريمة (إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى) وهذه إشارة إلى أنه ينطلق من هدي رباني. أما الشاعر فهد العسكر 1913. فيشير إشارة إلى القصص المفتراة ورائحة الخيانات في قصة يوسف. في حين نرى التناص عند الشاعر محمد الفايز 1932-1991 يأخذ من قصص التاريخ من القرآن الكريم, ما يتكئ عليه ويستند إلى وضوحه:وهوى بلقيس: والهدهد يأتي بالرسالة, من سليمان إليها, ما الذي أقلق باله.‏

كما لجأ العدواني والعسكر والفايز إلى التراث التاريخي, واعتمدوا في ذلك على كتب التاريخ وكتب التراث, ككتاب ألف ليلة وليلة, وبعض كتب الأدب العربي والدواوين الشعرية, لإعطاء الإيحاءات والدلالات المطلوبة من خلال صوت الماضي الذي صقلته التجربة, خاصة وأن هذه التجربة تعيش في وجدان المتلقي بكل أحداثها, ولايزال صداها يجلجل في روحه وعقله. لذا فإن أي استدعاء أو إشارة أو رمز جديد بإعادة هذا التاريخ بحلوه ومرِّه للنص الواعي في الحاضر. مما يضيف بعداً تاريخياً فنياً يمزج الماضي بالحاضر في حالة توحد تعبر أجواء الزمن ليحيا النص في العصر الحالي, ما يعطي الشخصية التاريخية بعداً عالمياً يسمح لها بالانطلاق والعيش في أي تجربة إنسانية في أي زمن لاستمالة وجدان المتلقي, من خلال استخدام الشخصية كقناع ومن خلال التقاطعات الفنية.‏

مع ذلك فقد اختلف الشعراء الثلاثة في استخدام الموروث الأدبي في شعرهم, فمنهم من استنطق التراث بكافة أدبياته, ومنهم من أعاد حياة جديدة تنبض بالحيوية لهذا التراث, فوظفوه بما يتناسب وتجربتهم, فجعلوا شعرهم يفيض إلماعات ودلالات تكشف عن قدرة الشاعر على إحداث التفاعل بين الماضي والحاضر, ما يخلق لوحات فسيفسائية في القصيدة الواحدة, فيضيف لها من أصوات الماضي وحركته ولونه الكثير مع اختلاف مستوى الإبهار الذي تحدثه هذه الإضافة من متلق آخر.‏

ويلاحظ أن الكثير من الشعراء اهتموا بالأماكن كالأطلال, وقصص الفراق والوداع ونعي الدار وساكنيها, أو استثمار هذا الوقوف على الطلل انسجاماً مع تجربة كل شاعر على حدة, فيجمع ما بين عذابات الإنسانية لاستدعاء قصصهم في مكان الطلل, ولكن في زمننا الحاضر ليستوعب كل الآلام والأحزان منطلقاً من عنصر المكان لإعادة الزمان وكرِّه وفرِّه على بني الإنسان , مؤكداً قول الشاعر أبي البقاء الرندي:‏

هي الأمور كما شاهدتها دول‏

من سرَّه زمن ساءته أزمان‏

أو مستعيداً مكان القصص الرومانسية في التراث العربي, أو استلهام سيرة أحد الشعراء, لأنه يعيش حياة مشابهة له.‏

وهكذا كان التناص الأدبي مؤشراً من مؤشرات تلاقي التجارب الإنسانية, مع الاختلاف في كيفية صنع المقاربات العجيبة التي تستقطب ذهن المتلقي, فيعمل فكره فيها ليصل إلى ما وراء القول, فتتحوَّل إلى هجاء أو سخرية أو رفض أو قبول, وفي النهاية كما تقول الناقدة كاملة العياد هو صوت الحاضر ينطبق بمختلف المستويات ليرجع له صدى الصوت من الماضي القريب أو البعيد, من التراث الأدبي الواسع لنصل إلى التناص الأدبي.‏

صادر عن دائرة الإعلام بحكومة الشارقة - الإمارات العربية المتحدة 2009.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية