تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مالــــــرو وزمنــــه

كتب
الأربعاء 20-1-2010
(لا يكشف التاريخ ولا سيرة الكاتب عن نوعية مؤلفاته.

... إن الحياة ، كالتاريخ لا تحدد الأشكال بل تستدعيها)‏

(لا يبنى الانسان حسب التسلسل الزمني لحياته.. فالتجارب هي التي تحدد مواقف الانسان)‏

إن أندريه مالرو خلافاً للعديد من المؤلفين المعاصرين قد أظهر دوماً أقصى درجات التكتم فيما يتعلق بحياته الخاصة شأنه في ذلك شأن فاليري، ومارتان دوغار ولسوف نحترم هذا الموقف الذي يبدو لنا لائقاً أكثر من أي موقف آخر، أما حياته العامة ومؤلفاته فهي على العكس من ذلك ملك للجميع وفي هذا المؤلف (مالرو) الصادر عن وزارة الثقافة السورية- سلسلة أعلام عام 1994 والذي ألفه بول غايار وترجمه زياد العودة فقد حاول أن يقدم هنا المعلومات السيرية والتاريخية والتي تتيح لنا وضعها في اطارها الصحيح بصورة أفضل.‏

بول غايار يعترف في بداية مؤلفه أنه لم يلتق مالرو يوما،ً فلم يجازف بالحديث عن طباعه وعاداته وحديثه، ويورد فقط ما تذكره عنه احدى الصديقات: (إن مالرو يتكلم كثيراً، ويعود السبب في ذلك أيضاً إلى أن لديه دوماً شيئاً هاماً يقوله في كل موضوع حتى ليمكننا القول إن مالرو يتكلم طول الوقت.. إن صوته لا يعلو بالصراخ أبداً. بل يبقى ضمن طبقة خفيضة ولئن كان كلامه السريع والمتقطع والعصبي واضحاً تماماً فذلك لأنه محدد بصورة رائعة بفواصل زمنية، فاللهجة تنخفض في الجمل المعترضة وعند العبارات التي يتلفظ بها بسرعة مدوخة بين الأقواس، إنه يجعلنا نشعر بأصغر فاصلة، ولكنه لا يجري أبداً أية لمسات على حديثه ولا يكرره ولا يتردد فيه، وفترات الصمت القصيرة لديه هي خطوط قصيرة.‏

إن مالرو لا يستمد التمهيد والمقدمات والتحفظات الخطابية فقط بل يقفز دفعة واحدة إلى قلب موضوعه وأذكر بعد غياب طويل له أننا أتينا لننقله بالسيارة ونوصله إلى بونتينيي، فما كدنا نصافحه ونضع حقيبته في الصندوق حتى كان يقول: (في بلاد فارس الألوهدر..) إن المرء ليشعر أن تعريف الأشياء ثم تصنيفها هما بالنسبة إليه ضرورة أساسية، فالعديد من العبارات المألوفة تكشف عن هذا الميل لديه كقوله: المسألة هي أحد أمرين.. وتعداداته: أولاً، ثانياً، أو حينما يقوم بحركة مقتضبة تستبعد الفكرة المطروحة ويقول: لا نلحن على ذلك، فليست تلك الحاجة للنظام بالنسبة إليه سوى أساس لابد منه لصياغة تراكيب شخصية.. تبعث على الذهول في أغلب الأحيان.‏

وذات يوم كان يجري أمامه حديث عن مؤلف ينكر عليه مالرو الذكاء وحين احتجوا على رأيه قال: (عفواً، لنعرف أولاً ماذا نفهم من كلمة ذكاء، فالذكاء بالنسبة لي هو أن نعلم أن دورق ماء هو دورق ماء (وكان هناك دورق أمامه، على المنضدة) أجل إن احدى علامات الذكاء بالنسبة لمالرو هي أن يعرف المرء ألا يخلط أي شيء.. إن كلمة (دعابة) التي يستعملها غالباً تستخدم لديه استخداماً طريفاً وشديد الايحاء، فالدعابة بالنسبة إليه هي مفهوم أسيء تحديده بل لقد حدد بخفة لا تصمد لكل الاعتراضات أما هو فيقر هذه الاعتراضات بطيبة خاطر ويأخذ باعتباره تفكير الغير بكل كياسة اعتباراً من اللحظة التي يرى فيها أن هذا الغير يدافع عن نفسه.‏

لابد من مرور زمن طويل لنعرف عن مالرو شيئاً آخر غير ذكائه الذي يمثل أهم شيء في شخصه، فحين يقول (أنا) فالأصح أنه يتكلم عن شخصية فنية لديه، إن كيانه الشخصي يبقى في خلفية الصورة.‏

الكتاب يتعرض ويشرح كافة مراحل حياة أندريه مالرو المولود مع بداية 1901 وشارك في ثوراته (الصين - فيتنام- اسبانيا) عاش تحولاته الكبرى حيث وجدت، نجده حاضراً يتقمص الحدث، يعيشه، يجسده، يراه في أبعاده الماضية والمستقبلية، يتصوره ويصوره .‏

كان من أهم المثقفين المقربين من شارل ديغول وابتداء من عام 1958 أصبح من أركان حكمه ودشن معه عهداً جديداً يعد من عهود فرنسا الأكثر اشراقاً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية