تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إميل سيوران:القطيعة مع المكان والزمان

كتب
الأربعاء 20-1-2010
عاش سيوران في مرحلة تتحدث عن الحداثة وما بعد الحداثة لكنه اختار الابتعاد عن زمانه وعن الزمن ،

سعى إلى تحطيم المعنى من أجل خوض تجربة اللامعنى، أعلن أنه ضد الفلاسفة وضد المنظومات الفلسفية والمقولات كما أنه ضد المفكرين الذين ينطلقون من الاقتباس والاستشهاد وفضل شكل الكتابة المقطعية والاعتراف والحكمة والمختزلة على الخطاب المتماسك زوراً وزيفاً كما يقول يمكننا تحمل الشر، ولا معرفة لديه إلا عبر الحواس (كل تجربة عميقة تصاغ بعبارات فيزيولوجية) الكتابة نسيان الشيء لصالح تسميته أو معرفته إنها كتابة تعبر عن انتظار الكاتب وهي لذلك لا تأتي عبر منظومة فكرية بل ضمن انقطاعية الكتابة المقطعية استجابة لتشظي الكائن، عدمية سيوران تستبعد أي هروب خارج عدمنا الزمني فكيف نتمكن من معانقة الأبدية في حضن الزمن؟‏

إنه صفاء ووضوح فكري ينكر الخلاص، متصوف دنيوي، متخلص من الأشكال الماورائية فإذا النشوة عنده حضور كلي من دون موضوع وجد ..خواء ممتلئ ووهذا اللاشي عنده هو كل شيء فلا مجال لاستعادة الحالة الفردوسية الأولى واليائس من خلاصه يصير عالم جمال الإنسان الأخير هو إنسان خاوٍ : إنه حكيم الأزمنة الحديثة.‏

ولد إميل ميشال سيوران يوم 8 نيسان عام 1911 في رازيناري وهي قرية في مقاطعة ترانسلفانيا الرومانية من أب قسيس أرثوذكسي وعرف منذ طفولته بحبه للعزلة والتنزه في الجبال المحيطة بقريته التحق سنة 1920 بالمدرسة الثانوية في مدينة سيبيو المجاورة وأمضى الأعوام ما بين 1928 و1932 في جامعة بوخارست حيث حصل على دبلوم حول الفيلسوف برغسون واكتشف الفيلسوف الألماني سيمل ويتحدث سيوران عن حالات من الأرق واليأس لأزمته خلال المرحلة فأوحت إليه بكتابه الأول الذي ألفه سنة 1932 ونشره عام 1934 تحت عنوان (على ذرا اليأس) ثم أعقبته عناوين أخرى مثل «كتاب الخدم» و«دموع وقديسون» .‏

خلال العام الدراسي 1935 حصل على منحة دراسية في ألمانيا لإعداد أطروحة في الفلسفة لكنه لم يفعل شيئاً ، ومر بمرحلة عقم في حياته لم تميزها سوى رحلة إلى باريس لمدة شهر قرر إثرها الإقامة في فرنسا فعاد إلى رومانيا وعمل على تحقيق هذا الهدف فحصل على منحة من المعهد الفرنسي في بوخارست كي يدرس في باريس التي وصل إليها سنة 1937 وخلال الأعوام الأولى من إقامته وضع كتاب «غروب الأفكار»ونشره بالرومانية التحق بالسوربون لدراسة اللغة الانكليزية فاكتشف الشعراء الانكليز ثم قرر تعميق لغته الأم (الرومانية) لكنه سرعان ما استغرب هذا الاختيار حتى قرر سنة 1946 أن يقطع لغته مع الماضي، من أجل الإقامة النهائية في فرنسا لذلك بدأ يطور لغته الفرنسية ونشر كتابه الأول بهذه اللغة بعد ثلاثة أعوام أي سنة 1949 ضمن منشورات غاليمار التي سوف تتولى أعماله لاحقاً فكان أول كتاب ينشره بالفرنسية بعنوان «موجز التفكيك» وحصل به على جائزة اللغة الفرنسية المخصصة للكتاب الأجانب.‏

كان بين أعضاء لجنة التحكيم : أندريه جيد جول رومان سوبر فيال، بولهان ثم ،اتخذ قراراً برفض كل أنواع الجوائز وهذا ما إلتزم به ،الرغم من العروض الكثيرة وتأكدت قيمته ككاتب باللغة الفرنسية- توالت مؤلفاته (قياس المرارة- بحث في الفكر الرجعي، التاريخ واليوتوبيا- السقوط في الزمن وخلال هذه المرحلة : أي مع بداية الستينيات أشرف على سلسلة دراسات ضمن منشورات «بلون» لكنها لم تنجح على الرغم من أهمية عناوينها فخاب ظنه وألغى السلسلة بعد صدور الكتاب السابع فكانت تلك تجربة النشر الوحيدة التي خاضها وتابع إصدار مؤلفاته «الخلق السيء، التمزق ، تمارين الإعجاب) وجدت أعماله في البداية تقبلاً محدوداً لكن قاعدة قرائه ما انفكت تتوسع في الأعوام الأخيرة ولاسيما بعد موته (1995) فظهرت كتبه في سلسلة الجيب الشعبية وكثرت ترجماته وتناولت وسائل الإعلام كتبه ونجاحه المفاجئ.‏

عن تفضيله للكتابة المقطعية أو الشذرات يقول في حواره مع سيلفي جودو «الشذرة هي الشكل الوحيد الملائم لمزاجي تمثل كبرياء لحظة محولة مع كل التناقضات التي تحتويها .‏

من الشذرات‏

- الأمل هو الشكل السوي للهذيان‏

- ليست الشيخوخة في النهاية إلا القصاص منك لأنك عشت.‏

- أفضل طريقة للتخلص من العدو هي أن تمدحه أينما حللت سوف ينقلون إليه ذلك فلا تبقى لديه قوة لإزعاجك ، لقد حطمت قوته وسوف يواصل حملته ضدك دائماً لكن من دون صرامة وبأس إذ سيكون قد كف لاشعورياً عن كرهك لقد هزم وهو يجهل هزيمته.‏

- من يعيش الخلود يفوت.. مسيرته الذاتية وفي خاتمة المطاف لا تكون ناجزة أو مكتملة المصائر المحطمة.‏

-ما أشد ما كان البشر يتبادلون الكراهية في الظلمة وعفونة الكهوف هذا ما يجعلنا نفهم لماذا لم يرغب الرسامون الذين كانوا يعيشون داخل تلك الكهوف في تخليد وجوه من يشبهونهم وفضلوا عليهم وجوه الحيوانات.‏

- لا يوجد إنسان لم يتمن - لاشعورياً على الأقل- موت إنسان آخر كل واحد يجر وراءه مقبرة أصدقاء وأعداد وليس من المهم كثيراً أن تكون تلك المقبرة قد أحيلت إلى مهاوي القلب أو أسقطت على سطح الرغبات .‏

- لو كانت لي شجاعة كافية كل يوم كي أصرخ ربع ساعة لتمتعت بتوازن كامل.‏

- ترياق السأم هو الخوف ، ينبغي أن يكون الدواء أقوى من الداء.‏

- الخوف يؤدي إلى الوعي، الخوف المرضي وليس الخوف الطبيعي، وإلا لكانت الحيوانات قد بلغت درجة وعي تفوق وعينا.‏

- كل جيل يعيش في المطلق ويتصرف كما لو أنه بلغ القمة بل نهاية التاريخ.‏

الكتاب : إميل سيوران - شذرات - ترجمة: محمد علي اليوسفي - دار أزمنة- عمان - قطع متوسط في 77 صفحة‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية