تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الناقــــد و الفنــــان.. أزمة النقد في منظومة « التشكيلي»

ثقافة
الأربعاء 20-1-2010م
تماضر ابراهيم

نحن نعترف بوجود حركة تشكيلية نشطة حاليا , ولكن هل تكتمل هذه الحركة إن لم يكن لدينا نقاد حقيقيون لمواكبة الإبداع التشكيلي ؟ أم إنه لدينا نقد يفكك ويوضح ويقرأ الرموز وتفاعلاتها ضمن منظومة فنية لها مرجعيتها ومستنداتها العلمية , في محاولة لدخول الإنسان عصر الصورة بشكلها العلمي والثقافي المتكامل !

د.صفوان داحول يقول في حديث رسمي للصحافة :إنه لا وجود لكلمة اسمها نقد تشكيلي عربي , ولو كان موجوداً لكان دافعاً أقوى للتشكيل .‏

د. عز الدين شموط تناول هذه المسألة وضروراتها في كتابه (النقد في الفن التشكيلي) وخلص من أبحاثه إلى أن بعض النقاد الفنيين لم يعودوا يلعبون دور الوسيط الثقافي النزيه , لذا فقد هذا النقد ثقة الجمهور ، لأنه صار منحازاً , ويقوم بالتزوير الفكري , والدعاية والترويج لتجارة فاسدة , وعوضاً عن النص النقدي الموضوعي , وتسليط الضوء على العمل الفني الجدي لإغناء الثقافة البصرية والمعرفة الإنسانية، تحول إلى كذب مفضوح وخداع للجمهور، وتزوير لتاريخ الفن وتحطيم لذاكرة الناس ودفعهم إلى نسيان القيم الحقيقية للفن.‏

ولأن وجود حركة نقدية تشكيلية حقيقية تعتبر نصاً توثيقيا جادا مرتبطا بمستوى العمل الفني , وهو إحدى دعائم الثقافة الفنية التي تساهم بالوعي الفني لدى المتلقي , ما يعني أن المفهوم المطلق للنقد هو الجسر الواصل بين المنتج الفني والمتلقي , ضممت إلى استطلاعي هذا ومساءلاتي مجموعة من النقاد المتخصصين , الذين لهم باع طويل بالفن التشكيلي , ولديهم أيضا أدواتهم النقدية الموضوعية , فأكدوا جميعا أن الثقافة عامل مهم لنجاح أي فنان , وأي ناقد ,وبدا لي كثير من الأصوات المعارضة للصحافة التشكيلية ولنقادها!‏

و.. قبائل النقد‏

د.عز الدين شموط يرى أنه لو كانت البداية بالفن للنقد لما كان لدينا أي عمل فني , بسبب القصور الثقافي والمعرفي -كمن ينزل إلى مباراة كرة قدم وهو يلبس قبقاباً- ويشيد بالجمهور العادي الذي يملك إحساسا أنقى من أرباع المثقفين الموجودين لدينا , ويعترض على البعض الذين يدعون النقد ويتعاطفون مع بعض الأعمال ولو بحسن نيّة ,أما الإحساس الآخر الذي تحدث عنه , معتبرا أن الإشكالية تكمن فيه , هو أن يضع الناقد تخلفه الذي يعاني منه حائلا أمام إحساسه الأول الفطري , بثقافة مهزوزة , أو شبه معدومة , إن لم تكن معدومة , ومبنية على كثير من الادعاءات , كيف لي أن أتحدث عن لوحة زيتية وأنا لا أفرق بينها وبين لوحة حفر أو اكريليك ؟ أحدهم يعتبر نفسه ناقدا يقول عن بعض أعمالي (وقد استعمل الكولاج ) مع العلم أنني لم أستخدمه في حياتي , لا أبخس الكولاج حقه , ولكن الشيء كمثال , وهوعلى أساس ناقد ويكتب بالنقد وخريج كلية فنون جميلة , هنا المأساة الحقيقية بالثقافة , عند البعض كلام يدعو للبكاء , شيء مضحك , في مكتبتي مقال احتفظت به منذ 15 عاما يقول الناقد فيه (وقد استعمل الأقمار الصناعية ) وعن لوحة أخرى أنجزتها عام 1972 قالوا ( وقد استعمل الإنترنت في لوحته ) هذا المسكين اعتقد أنه يخدمني على أساس الإنترنت في تلك الأيام كان شيئا حديثا وغير مفهوم , يذكرني النقاد بفيلم اسمه ( سقطت الآلهة من السماء ) يتحدث عن قبائل البوشمان , القبائل الإفريقية الموجودة في الغابات. يوم من الأيام يجدون قارورة كوكا كولا سقطت أمامهم على الأرض يستغربون العلبة والسائل الذي بداخلها , فيقفون حذرين منها ثم يأخذونها بتردد ليستخدموها في الدق بعد أن دحرجوها ولعبوا بها , بعض النقاد هم من قبائل البوشمان , البوشمان بعد أن لعبوا بالعلبة , انكسرت وجرحتهم وراحوا ليتخلصوا منها , قبائل النقد هم بيننا نزل عليهم الإنترنت فاعتقدوا أنه يصنع لوحة.‏

تحليل العمل الفني‏

ليس بالأمر اليسير‏

كثيرون مارسوا النقد منهم كُتَّاب أو صحفيون أو تشكيليون، قام معظمهم باتباع أهوائهم الشخصية , بالمديح المسهب للفنان ولأعماله الفنية أو العكس ,ومع ذلك فتحليل العمل الفني ليس بالأمر اليسير , الصحافة مثلا , يقول البعض إنها ساهمت بدور سلبي وقدمت شكلا من أشكال القراءة الأدبية للعمل الفني ,(ولا أبالغ إذ أقول إنها أحيانا كقراءة فنجان القهوة لدى المنجمين ) أنا أرى أن هذا نتيجة عدم إيمان القائمين على مؤسساتنا الصحفية بأهمية هذا المجال , وبرأيي أنها تجربة فاشلة ,لأن هذا النوع من الكتابة أو النقد , ليس متخصصا وخاليا من المعرفة بتاريخ الحركة التشكيلية , وتاريخ الفن والنقد الفني وعلم الجمال , لذلك لا فرق عندهم بين فنان امتد تاريخه في غور السنين وانصهر بالتجارب والإبداع , وآخر مازال في خطواته الفنية الأولى ، ومن المفروض أن يقوم النقد على أسس علمية مختصة إضافة إلى حساسية الناقد ، الذي يعتبر فنانا ثانيا كما يقول كروتشة .‏

النقد الفني‏

أبعد من ذلك بكثير‏

د. عفيف بهنسي يقف في مصاف نقاد الفن ومؤرخيه في الوطن العربي , الذين ساهموا في بحوثهم ودراساتهم بتوضيح الجوانب التاريخية القديمة والمعاصرة للفنون التشكيلية ، وأصدر الكثير من الكتب الفنية ,آخرها (النقد الفني و قراءة الصورة ) والذي قال فيه إن النقد الفني هو القراءة الصحيحة للعمل الفني , وليست قراءة صحفية تعريفية , ويقول بهنسي في بعض الصحف أرى أن هناك تزكية لبعض الأعمال , أو تقديم وجهات نظر لبعض الأعمال, النقد الفني أبعد من ذلك بكثير , إذا كان الناقد الفني موضع ثقة القارئ أو الفنانين يعطي شهادة بكفاءة الفنان ويقدم وجهات نظر لبعض الأعمال , ونقده يكون موضوعيا , لأنه يخلق فعلا صورة صحيحة لهذا الفنان ويعترف بوجود نقد فني ولك يوجد نقد فني لأن مجلة الحياة التشكيلية هي من أهم الأعمال التي أصدرتها وزارة الثقافة , ولكن لست مطمئنا إلى أن كل ما قدمته المنظمة العربية كان بمستوى ما يمكن أن يسمى القراءة الصحيحة للحركة الفنية في قطر معين , فالنقد الفني ليس قراءة لعمل فني محدد , أنا إذا أردت أن أقرأ بيكاسو في آخر عمل له , فإنني أرميه في سلة المهملات , ولكن عندما أكتب عن بيكاسو من خلال تاريخه الفني , من أول لحظة وكان عمره 15 عاما حتى اليوم , فإنني بذلك أستطيع أن أبين لماذا وصلت هذه اللوحة إلى هذا المستوى, ولوحة الجيرنكا الشهيرة لمن لا يعرف معنى الفن الذي قدمه بيكاسو يراها خربشات , و أحلام يقظة , ولكن عندما يقرأ بيكاسو ويقرأ أعماله عبر التاريخ , فإنه يدرك تماما أنه لم يصل إلى هذه المرحلة إلا بعد تطورات واسعة جدا في تحويل الصورة , من صورة بذاتها إلى صورة من أجل ذاته (ذات بيكاسو ) هذه مشكلة النقد الفني , مشكلة النقد ممارسة , وعميقة جدا في قراءة العمل الفني , وقراءة طويلة المدى , يعني لا أستطيع أن أتحدث عن فاتح المدرس مثلا دون أن أتذكر لوحته الأولى التي أخذ عليها جائزة , لكي أدرك أن هذا الإنسان بدأ ينظر إلى الأشياء بمنظار آخر , أعمق من أن يكون واقعيا , فاتح المدرس لم يكن واقعيا ولا يستطيع أن يكون واقعيا, هل أسقطه من تاريخ العمل الفني , أنا أنظر كيف عاش مناخ الصورة التي قدمها في بداية حياته , وبأي طريقة رسم ؟! فاتح يعيش أبعاد مجموعة من الصور في وقت واحد , من هنا تكون لدي أن هذا الإنسان يعيش في عالمه مئة في المئة , وعندما أريد أن أتحدث عنه , يفترض أن أتحدث عنه من خلال عالمه , وليس من خلال معجم تاريخ الفن , هكذا إذا النقد الفني موضوع شائك ومهم جدا , أنا أفرق بين ما يكتب في النقد الصحفي , وأعتبره استعراضا سريعا , وما يكتب بالحياة التشكيلية .‏

للحديث بقية , لأنه يطول في النقد التشكيلي, بنسبة توازي أهميته للثقافة الفنية , ومقومات نجاحها ,وللناتج الإبداعي أيضا , فالنقد هامش الإبداع , لا يتجزأ منه ولا يهمل .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية