|
دراسات إذ تجلت هذه الإرادة وهذه القدرة في حرب تشرين التحريرية، حينما تمكنت قواتنا المسلحة عام 1973 من تحرير مدينة القنيطرة واستعادة العديد من القرى والبلدات المحيطة بها، وها هي تتجلى اليوم أكثر فأكثر من خلال انتصارها على جحافل ومرتزقة الإرهاب والدول الداعمة والحاضنة لها وتحرير معظم ربوع الوطن. هي وريقة صفراء جديدة تسقط من عمر قرار ضم الجولان العربي السوري ــ القرار الإسرائيلي المشؤوم من دون أن تغير شيئاً في إرادة السوريين وتصميمهم على تحرير أرضهم المغتصبة، لتزهر عوضاً عنها أزاهير الصمود والمواجهة والإصرار على رفض مطلق للقرار الإسرائيلي العدواني الظالم، لجهة محاول فرض السيادة الإسرائيلية على الأرض، أو لجهة فرض الهوية الإسرائيلية على أهلنا الصامدين المرابطين في الجولان، أولئك الذين قابلوا هذا الإجراء العدواني الاحتلالي الباطل بالرفض والاستنكار والمظاهرات العارمة التي عمت جميع قرى وبلدات الجولان وبأشكال مختلفة من المقاومة السياسية والاجتماعية والعسكرية. فقد بلغت الإضرابات والمظاهرات ذروتها في السابع عشر من كانون الأول 1982 عندما أصدر وزير داخلية الكيان الصهيوني قراراً يقضي بتوزيع هوية الجنسيّة (الإسرائيليّة) على الجولانيين الأبطال، فهبوا رفضاً لعسف الاحتلال وقراراته الجائرة، وأعلنوا على أثر ذلك إضراباً مفتوحاً في 13 شباط من العام نفسه، استمرّ حتى 20 تموز لينتهي بمؤتمر عقدوه في بلدة (مجدل شمس) حضره ما يزيد على 1300 جولاني من قرى مسعدة ومجدل شمس وعين قنيا وبقعاتا، أصدروا فيه بياناً إلى الرأي العام العالمي سمي (الوثيقة الوطنيّة) أكّدوا فيها تمسّكهم بعروبتهم وتاريخهم، ورفضهم الاندماج مع الكيان الإسرائيلي، وأكّدوا أنّ الجولان جزء لا يتجزّأ من الوطن الأم سورية العربية، وأنّهم لن يتخلّوا عن الجنسيّة العربية السورية مهما كانت الضغوطات، ومهما بلغت التضحيات ومهما طال الزمن، وأن الجنسية العربية السورية صفة ملازمة لهم ولا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء، وأن أرضهم هي ملكية مقدسة لأبناء مجتمعنا السوريين، وكل مواطن تسول له نفسه أن يبيع أو يتنازل أو يتخلى عن شبر منها للمحتلين الإسرائيليين يقترف جريمة كبرى بحق مجتمعنا وخيانة وطنية لا تغتفر. كما أعلنوا في الوثيقة عدم الاعتراف بالمجالس المحلية، لأن الحاكم العسكري الإسرائيلي هو الذي عينها وتتلقى تعليماتها منه، واعتبروا أن رؤساء وأعضاء هذه المجالس لا يمثلوهم بأي حال من الأحوال، وقرروا بحزم أن كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية أو يخرج عن مضمون تلك الوثيقة يكون منبوذاً ومطروداً من ترابطهم الاجتماعي ويحرم التعامل معه أو مشاركته أفراحه وأحزانه إلى أن يعترف بذنبه ويرجع عن خطئه ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية. وحدثت مواجهات وصدامات مع قوات المحتل في القرى السورية المحتلة المحاصرة وقطعت المياه والكهرباء ومنع التموين الغذائي عن سكان القرى، وعاش أهلها حصاراً استمر أربعين يوماً حرموا فيها من التنقل بين القرى أو التجمهر أو التجمع في الساحات العامة ومنع وصول المعونات الغذائية من عرب فلسطين الذين هبوا لنجدة أهلهم في الجولان وحاولوا مراراً تحدي الحصار والوصول إلى القرى الأربع المعزولة تماماً عن العالم الخارجي ولكن سلطات الاحتلال شددت قبضتها بهدف كسر إرادة المواطنين العزل المؤمنين بصدقية مطالبهم وحتمية انتصارهم وزوال الظلم عنهم.. ثم أرسلت سلطات الاحتلال موظفين من وزارة الداخلية الصهيونية لاستعادة بطاقات الهوية التي سلمت لعدد من سكان الجولان، ولكن عملت على منع جمع شمل الأسر السورية وعودتها إلى الجولان في انتهاك لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. إسرائيل التي فاجأتها شجاعة الجولانيين ورفضهم المطلق لقراراتها لم تترك بدورها طريقة و لا وسيلة إلا اتبعتها لجعل قرار الضم أمراً واقعاً، حيث استشرست بإجراءاتها وممارساتها القمعية والإرهابية بحق أبنائنا في الجولان، بالتزامن مع محاولاتها تغيير معالم المدينة الجغرافية والتاريخية، من خلال عمليات الهدم الممنهجة للقرى العربية بعد طرد أهاليها وسكانها منها، وإقامة المستوطنات اليهودية مكانها واستبدال أسمائها العربية بأخرى عبرية، كل ذلك تم بالتزامن مع استبدال مناهج التدريس السورية وفصل المعلمين وإقالتهم من سلك التدريس، وإعلان كل مناطق الجولان المحتل مناطق تحت وصاية الحكم العسكري، هذا بالإضافة إلى مطاردة وملاحقة الوطنيين، ومصادرة المياه والأراضي والمرافق الاقتصادية الصغيرة التي يملكها السكان، بحجة أنها أملاك للغائبين الذين تم طردهم بقوة السلاح عن ديارهم، وكذلك منع قيام جمعيات أهلية ونواد محلية، فيما فرض نوادي «للهستدروت» في محاولة لتنظيم السكان، ودمجهم في المؤسسات الإسرائيلية، وهو الأمر الذي حول الجولان بأكمله إلى سجن مغلق، حيث نقلت سلطات الاحتلال أعداداً كبيرة من أبنائه إلى داخل السجون الإسرائيلية وأصدرت أحكاماً بحقهم بتهمة التحريض ضد الأمن، لكن ذلك لم يغير في واقع الأمر شيئا لجهة ثبات الجولانيين وصمودهم ضد إرهاب الاحتلال وممارساته. الوطن الأم سورية كان له الدور الأبرز والأكبر في مقاومة ومواجهة ورفض القرار الإسرائيلي على كافة الأصعدة والمستويات السياسية والشعبية والعالمية، حيث أثارت الحكومة السورية هذا القرار الجائر على كافة المنابر السياسية والإعلامية المحلية منها والعربية والعالمية وصولاً نحو بلورة رأي عام عالمي رسمي وشعبي رافض بشكل قاطع لهذا القرار، وهذا ما يدفعنا للقول: إن الإرهاب الذي اجتاح الوطن منذ نحو تسع سنوات ليس في جوهره سوى فصل من فصول وحلقات التآمر الصهيوني الذي يراد من خلاله الانتقام من الدولة السورية وتدميرها وتقسميها والسيطرة على إرادتها وقرارها وسيادتها، وسلبها مقدراتها وثرواتها، وصولاً نحو إسكات صوتها المطالب بحقوقها وأرضها المغتصبة ووقف دعمها للحقوق والقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بعد أن أصبحت سورية شبه وحيدة في ساحة المعركة مع العدو الصهيوني ومن يدعمه ويقف خلفه من قوى الشر والعدوان، حيث تهاوت معظم الأنظمة العربية وسقطت في فخ العمالة والتطبيع مع العدو، وتنازلت عن الحقوق العربية وعن عروبة فلسطين إرضاء للولايات المتحدة الأميركية الحليف الأكبر للكيان الصهيوني المغتصب، وراحت تتسول أي تسوية مذلة مع هذا العدو على حساب كل القضايا العربية وخاصة الجولان العربي السوري، الأمر الذي يقتضي الاستمرار في رفع لواء قضية الجولان المحقة لحشد الدعم لها على المستويين العربي والدولي، وتفويت الفرصة على كل المحاولات التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي وحليفته واشنطن على طريق شرعنة قرار ضم الجولان واحتلاله، وبالمحصلة مهما حاول ترامب ونتنياهو ومن يأتي بعدهما سيبقى الجولان عربياً سورياً، لأن هذه القضية محسومة بالنسبة للسوريين لكون الجولان بمنزلة القلب من الجسد السوري. |
|