تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحكيم وقطليش يشقِّقان الرخام.. ويحطِّمانه

رسم بالكلمات
الأثنين 12-3-2012
سامر أنور الشمالي

الأدب بالمحصلة العامة تجارب إنسانية متقاطعة بتراثها الجمعي المتراكم عبر أطوار عدة, والأدب في الآن ذاته تجربة خاصة بصفته نسيج حالة فردية.

نفترض أن الاشتراك في تأليف كتاب يعود إلى تقارب الأفكار بين المؤلفين, أو الانتماء إلى إيديولوجية معينة, وربما تشابه الأسلوب, أو الانطلاق من مذهب أدبي بذاته وعلى الرغم من شيوع وانتشار هذا وذاك بين الأدباء نادراً ما يشترك كاتبان في تأليف كتاب واحد, بل لا يوجد كتاب مشترك في سجل روائع الأدب العالمي, أما على صعيد الأدب العربي فلا يخطر في ذهني غير كتاب (عالم بلا خرائط) للكاتبين الكبيرين عبد الرحمن منيف, وجبرا ابراهيم جبرا.‏

أما في القائمة المحلية للإصدارات الجديدة للكتاب الشباب فنعثر على كتاب بعنوان (هذا الرخام تشقق) للكاتبين محمد الحكيم وأحمد قطليش ويسترعي انتباهنا أيضاً أن الكتاب يخلو من أي صفة تجنيسية على غلافه, أو صفحاته الداخلية, لهذا يبدو متنه السردي قد تخطى أعرافاً أدبية عدة, وهذا اتجاه برز في السنوات الأخيرة في المشهد الأدبي, وإن بنسبة محدودة, ولم يعد مقتصراً على التجارب الأدبية الجديدة.‏

كتب في القسم الأول محمد الحكيم مجموعة من الخواطر النثرية المثقلة بأسلوب شعري ذي صبغة رومانسية تقليدية, أما نصوص القص فمكتوبة بطريقة مغايرة حيث نتلمس بساطة اللغة في نقل مشاهد من حيوات أناس بسطاء لديهم أمنيات متواضعة بتحسين أحوالهم المعيشية, ولكن تلك الأمنيات لا تتحقق, فتنتهي القصة بطريقة الكوميديا السوداء اللطيفة لحظة التأكد أن تلك الأحلام غير قابلة للحياة في ذلك الواقع البائس.‏

(من رماد فينيق الغياب رنقت أجنحة الوعي, وهدلت مدامعها معي, مزقت أهدابي بسنابلي, كان الفجر وسادة قلبينا, وشعرها المتناثر كقصيدة نجمية على صدري يسترسل مسافراً إلى دفاتري العميقة, وثغرها المفتر تقول ابتسامته المضيئة: أيتها الشمس وداعاً.. وانبلجت جراح الصباح وتضرمت الأيام) ص 9 و 11 .‏

في القسم الثاني لا يخرج أحمد قطليش عن الملامح العامة للسرد بمجمله, ولكن ثمة بعض الاختلافات التي يمكن ملاحظتها, ومنها الجنوح إلى مزيد من الإفراط في صياغة جملة نثرية تتكئ إلى شعرية تلتقط مفردات وتراكيب غير شائعة, ورغم ذلك قد ينجح في التقاط بعض الصور الجميلة, كما اتسعت لديه في النصوص التي تقف على حواف القص قضايا إنسانية كبيرة تناولها بالطريقة المألوفة والمعهودة.‏

(صوتها المغتسل شحوباً, المتنامي من صدر نهنهة الصمت حتى اختمار الألم, وهدهدة السكينة, فراشة ترفأ أشلاء طمأنينتنا بأصداء ترنيماتنا.. وبتواطؤ حناجر الجوقة جمعاء, أرعد الصوت, فأفزع غيم أرواحنا, ليهطل حزن عميق جميل, يعيرنا فسحة صدق لاتكاء الحقيقة على أكتافنا... لا تكاد تسكب دلواً من النور حتى يخنقها التصفيق) ص 87 .‏

أغلب الظن أن المؤلفين جمعا في كتابهما (هذا الرخام تشقق) بواكير ما كتباه وربما غربلا من كتاباتهما الكثير كي ينتقيا هذه النصوص, وعلى أي حال تظل تلك النصوص في نطاق التجربة الشخصية والذاتية للمؤلفين, لعلها تشير إلى موهبة أدبية في طور التشكل والتكوين, أو خطوة أولى على طريق مشروع أدبي طموح.‏

ولعل من المفيد القول إن التأليف المشترك لم يقدم علامات فارقة في تاريخ الأدب عامة, ربما لأن الأدب مشروع فردي تماماً رغم أنه لا يكتمل كمشروع إلا لدى خروجه إلى الناس, وإن الكاتب قد يكون أنانياً في صومعته بقدر ما قد تعكس كتاباته رغبة عارمة في التواصل مع الآخرين. ولكن هذا لا يمنع من صدور كتاب مشترك يكسر في المستقبل هذه القاعدة شبه الراسخة.‏

العنوان: هذا الرخام تشقق‏

المؤلفان: محمد الحكيم وأحمد قطليش‏

الناشر: دار النهرين- دمشق 2011‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية