تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حنا مينة... جنون العشق..الحياة.. المرأة.. البحر..من (مستنقع) الطفولة..حبر إبداعه.. !

ثقافة
الأثنين 12-3-2012
لميس علي

(كل ما هو جميل بعيد.. الجمال لا يوجد إلا في البعيد).

لم يدرك الفتى (حنا) أن الزمن وحده قادر على تغيير نظرته لما عاش من أحداث.. و عاين من مشاهدات في حي (الصاز).‏

بعد نضج و وعي.. و بعد خبرة عمر.. و حين يتأمل ذكريات الماضي.. الفائضة وجعاً.. عوزاً.. فقراً.. و ألماً.. سيدرك مكتشفاً ماهية الجمال الكائنة في قلب كل تلك البشاعة.‏

البعد سيوفر له حرية النظر إلى الماضي.. الالتفات بأريحية إلى زمن بائس..‏

والتالي.. الالتفاف على سواد أيام الطفولة.. تطويق قتامتها عبر لعبة الأدب.‏

في عمق القبح الذي عايشه الفتى (حنا).. ثمّة جماليات صاغها قلم الروائي (حنا)..‏

و بين هذا الأول.. و ذاك الذي صار إليه.. يمتدّ خيط الزمن جامعاّ سيرة فرد تتماهى و سيرة مكان..‏

فكيف تتشابك تلك السير.. وتتقاطع حكايا الأفراد مع تفاصيل المكان والزمان..‏

و هل ما رواه حنا مينه في (المستنقع) لا يعدو كونه سيرة ذاتية.. أم هي في وجهها الآخر الأكثر عمقاً سيرة مدينته الأولى (اسكندرونة).. ؟‏

ثم ما هي الحدود الفاصلة بين الذاتي و الموضوعي.. بين الخاص و العام.. الشخصي والغيري..؟‏

في (مستنقعه)..‏

تفيض ذاكرة الروائي بسيل من ذكريات و توصيفات لكل ما تختزنه مشاهدات الطفولة. تدهشك تلك القدرة الوصفية التي تأتي على ذكر أدق الأمور.. و كما لو أن قلم (مينه) يرسم لوحات.. تكاد تتجسد أمام عينيك.‏

ذاكرته ذاكرة مكان تجوس في كل ما له شأن و صلة بذاك (المستنقع) الذي يلعب دور البطل (اللامرئي).. الفاعل و المحرك – و لو نسبياً – للأحداث..‏

على أقل تقدير.. في دائرة و محيط ذاك المكان الذي عاش فيه راوي القصة (البطل المرئي).‏

وراء كل ذلك يتخفى صيد الروائي الأهم و الأكبر.. ويُظهر براعةً بضبط سير أحداث تعكس مصائر أفراد، على التوازي مع سير أحداث تعكس مصير مدينة بأثرها.‏

(المستنقع) تروي منعكسات الأزمة الاقتصادية التي امتدت ما بين عام 1933م إلى عام 1939 م.. وما نتج عنها من زيادة في البطالة و الفقر.. وتسرد كيف تمّ اتباع سياسة التتريك في اللواء واقتطاعه من جسم سورية ليصبح تركياً.. ونزوح عائلة الروائي من اسكندرونة إلى اللاذقية..‏

وهو مايعيد التأكيد على أن بين صفحات أي رواية ثمة تاريخ غير رسمي.‏

ويبقى السؤال الأهم..‏

في كتابة السيرة.. ما الذي يسعى إليه الروائي..‏

هل يبتغي خطّ ذكريات و حسب.. أم يهدف توثيق مرحلة.. أم هي محض محاولة للتأكيد على حقيقة التصالح مع ماض يغص بمرّ الذكريات.. لأنه أصبح ماضياً بعيداً.. وعلى رأي مينه (الجمال لايوجد إلا في البعيد).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية