تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أسواقنا واستغلال البعض للأزمة ؟!

منطقة حرة
الاثنين 12-3-2012
د. حيان أحمد سلمان

تعتبر السوق بمثابة آلية تجمع كل من المنتجين والمستهلكين أو البائعين والشارين أو من يمثلهما مع بعضهما البعض ,

وبالتالي فإنها بمثابة البوصلة الحقيقية التي توجه الجميع وخاصة المنتجين والمستهلكين إلى اتخاذ القرارات المناسبة , وتكون الأسعار هنا بمثابة مؤشرات تهدي كل من المنتجين والمستهلكين لاتخاذ القرار الاقتصادي المناسب , ولكن هذا لايعني أن الأسواق تعمل بانتظامية وبالتالي تصحح من انحرافاتها العشوائية من تلقاء ذاتها, بل بالعكس فهي بطبيعتها تميل نحو الأقوى وتتأثر بقراراته وتهمش الأضعف لمصلحته وخاصة في حال عدم توفر البدائل السلعية.‏

وهذا يؤدي بدوره إلى ظهور ( أساطين السوق ) وزيادة نفوذهم , وهؤلاء يتحكمون في انسياب السلع والخدمات إلى الأسواق وبالتالي يتحكمون بأسعارها, ويتوجهون لتقليل العرض مقابل الطلب الفعّال لزيادة الفجوة التسويقية مما يساهم بشكل مباشر في ظهور السوق السوداء وهي الحاضنة لكل بوادر الأمراض الاقتصادية , وهذه هي إحدى الانتقادات التي وجهت لنظرية ( اليد الخفية) للاقتصادي الانكليزي الكبير ( أدم سميث) في عام 1776 , والتي يسعى البعض للمطالبة بتطبيقها الآن في اقتصادنا السوري , ويدعو لعدم تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية من خلال أن الدولة وحسب زعمهم ( رب عمل فاشل) وأن الأسواق تنظم نفسها بنفسها ؟!.ومع احترامنا الكبير لهذا الاقتصادي الرائع إلا أن ديناميكية الأسواق وتقلباتها والتي تشبه تقلب الطقس أثبتت عدم صحة نظريته , والدليل العملي على ذلك هو أن الأسواق السورية تشهد ارتفاعا فلكيا في الأسعار للكثير من السلع والخدمات , ولا توجد مبررات لهذا وترافق هذا مع تراجع القوة الشرائية لليرتنا وهي إحدى مرتكزاتنا الوطنية مما أدى إلى تراجع سعر صرفها أمام العملات الأخرى , وأغلب العوامل الكامنة وراء ذلك هي عوامل ذاتية وليست موضوعية وخاصة للسلع الوطنية أي ذات المنشأ الداخلي , وتتعدد الأسباب المؤدية لذلك ومن أهمها الاحتكار وعدم مراقبة الأسعار والمضاربات وبثّ الإشاعات أو ما يدعى بمصطلح سياسة (الذعر المال) أو سياسة القطيع , وتشهد أسواقنا الآن انحرافا كبيرا في لقاء قوى العرض والطلب ترجم بارتفاع الأسعار بشكل جنوني , ولذلك أصبح من الضرورة تدخل الدولة لإعادة الأمور إلى سياقها الطبيعي لأن الأسواق لا تنظم نفسها بنفسها بل هي بحاجة إلى من ينظمها وهو من خارجها , أي تدخل الدولة وعبر مؤسساتها الحكومية لضبط الإيقاع بين العرض والطلب , ولا توجد دولة في العالم ترفع يدها بشكل كامل عن تنظيم النشاط الاقتصادي بشكل عام وعلى الأسواق بشكل خاص وخاصة في أوقات الأزمات , ويكون هذا من خلال زيادة الإنتاج والسعة الإنتاجية وترسيخ أسس العدالة الاجتماعية وزيادة معدل النمو الاقتصادي وتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي , وتعتمد لتحقيق ذلك عدة طرق ومنها على سبيل المثال وليس الحصر وخاصة السياسة الاقتصادية بمكونيها النقدية والمالية , ولتحقيق ذلك نذكر مايلي :‏

1- تفعيل السياسة النقدية للمحافظة على سعر الصرف ودعم القوة الشرائية لليرة السورية والسيطرة على معدل التضخم وعدم السماح بارتفاع الأسعار وتجنب الركود المالي واعتماد مرونة خاصة في سعر الإقراض والاقتراض من البنوك ( سعر الفائدة ) وسعر الخصم .‏

2- تفعيل السياسة المالية من خلال سياسة الإنفاق الحكومي وخاصة الضرائب وتقليص دور العوامل الخارجية المؤثرة في عمل الأسواق من خلال عدم السماح بالاحتكارات وتشجيع المنافسة الداخلية.‏

3- تفعيل عمل مؤسسات القطاع العام وخاصة زيادة كفاءته الإنتاجية والتوزيعية والتسويقية لتحقيق التوازن بين العرض الكلي والطلب الإجمالي وخاصة الطلب الفعال .‏

وأخيرا نقول إن استقرار الأسواق يعتبر من أهم العوامل المشجعة للاستقرار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي , وبالتالي أن كل من يحاول العبث بذلك سواء عن معرفة أو عدم معرفة فإنه يسيء إلى التوازن المجتمعي لمجموع الشعب السوري والبالغ عدده/24,5/ مليون مواطن , وهو يشارك بالمؤامرة بشكل مباشر وغير مباشر ويساهم في الفوضى المجتمعية , وبرأينا أنه من الضرورة أن تتدخل الدولة وعبر وزارة الاقتصاد والبنك المركزي لتشديد الرقابة على الأسواق سواء السلعية أم المالية ووضع حد لمن يريد أن يستثمر في الأزمة .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية