تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جولات جنيف2 والسيناريوهات المحتملة

شؤون سياسية
الثلاثاء 11\2\2014
د. حسن حسن

من حق كل سوري شريف أن يقلق على وطنه القلق الإيجابي الذي يدفع لمزيد من الإصرار على الدفاع عن عزة الوطن وسيادة قراره الوطني، وفي الوقت نفسه من حق كل سوري يفخر بالانتماء إلى وطن الأبجدية الأولى أن يكون مطمئن البال لأن زمن المفاجآت الذي اعتادت أطراف التآمر والعدوان على تفجيرها قد ولى.

فما أنجزته الدبلوماسية السورية والإعلام الوطني السوري في الجولة الأولى من جنيف2 سيبقى كابوساً يقض مضاجع من تكالبوا لنهش اللحم السوري بعد الإخفاق المدوي لمحاولتهم الفاشلة وسعيهم الحثيث للحصول في الدبلوماسية على ما عجزوا عن تحقيقه في ميادين المواجهة العسكرية التي لم تشهد البشرية أشرس منها على امتداد تاريخها الطويل، إلا أن بيادر المواجهة الدبلوماسية جاءت متناقضة مع حسابات حقول المتآمرين قادة وحلفاء وأدوات تنفيذية مأجورة تم تعويمها وتسويقها كممثل للمعارضة السورية فتبين أنها لا تمثل حتى نفسها بل لأنها رهينة ما يردها من تعليمات وأوامر من القائد الميداني القابع في غرفة العمليات لمتابعة مواجهة لا يمكن أن تكون متكافئة، فإذا كان زعيم الدبلوماسية الأمريكية وقف مشدوها واكتفى بوضع كلتا يديه على وجهه وهو يتلقى صفعات معلم الدبلوماسية الفاعلة السيد وليد المعلم فما الذي يستطيع أن يفعله صبيان السياسة ومراهقو الدبلوماسية الذين تم تفصيلهم في مطابخ التآمر الأورو ـ أمريكي خدمة لأهداف الكيان الصهيوني المتخبط بين مطرقة الواقع وسندان الأحلام الضائعة بالجملة والمفرق بآن معاً؟ وهل يحق لفورد الخائب أن يلوم صيصانه على هشاشتهم وغياب فاعليتهم طالما أن إخفاقه الشخصي طغى على ما سبقه من إخفاقات؟ وهل يحق لكيري أيضاً أن يعاتب فورد على سوء أدائه طالما أن لغة الجسد التي صبغت كل معالم جون كيري كانت الشاهد الصريح على العجز المركب الذي يعانيه، فهو عاجز عن تنفيذ ما يريد، وهو أعجز عن الاعتراف بتآكل الدور الأمريكي في منطقة تحتل أهمية قصوى في استراتيجيات جميع الدول الفاعلة على الساحة الدولية.‏‏

لاشك أن التصعيد الأمريكي في أثناء انعقاد جنيف2 في جولته الأولى وما بعدها يدل على أن إدارة أوباما ما تزال تراوغ وتنافق، وتناور وتداور، وتسوِّف وتحرَّف، وتجادل وتماطل لعلها عبر دحرجة الزمن والأحداث تستطيع الحصول على أية ورقة صالحة للاستخدام في الجولة الثانية من جنيف 2، لكن المقدمات لا تدل على ذلك بل تشير إلى العكس، فموقف الدولة الوطنية السورية يزداد قوة كل يوم، والرأي العام العالمي يتحرر بوتائر متسارعة من ربقة التضليل الاستراتيجي الذي صبغ الفترة السابقة من هذه الحرب شبه الكونية المفروضة على سورية منذ آذار 2011م.، ولو أن ما تم تكريسه لتقويض الدولة السورية قد سخر ضد أية دولة عظمى لتدكدكت عروشها، لكن سورية بقيت صامدة وشامخة بشعبها وجيشها وقائدها، وأثبتت للعالم أجمع عقم المراهنة على ليِّ الذراع السورية مهما اشتدت الضغوط واتسعت ميادين المواجهة العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية لأن إرادة الشعوب المؤمنة بقضاياها المصيرية والمستعدة للتضحية دفاعاً عن مقومات السيادة والكرامة هي أقوى من كل أطراف التآمر والبغي والعدوان، والسؤال الموضوعي الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستحمل الجولة الثانية من جنيف 2 جديداً؟ وما هي السيناريوهات المحتملة والتداعيات الممكنة التي قد تتبلور في الجولة القادمة من جنيف2؟‏‏

قبل الإجابة على هذين السؤالين المشروعين لا بد من التوقف عند بعض النقاط التي شهدتها الفترة الفاصلة بين الجولتين الأولى والثانية لجنيف2، والتي لا يمكن إغفال تأثيرها على طاولة المواجهة الدبلوماسية المفتوحة، ومنها:‏‏

1- إخفاق المحاولات المحمومة للعودة بملف السلاح الكيميائي السوري إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار عجزت أطراف التآمر والعدوان عن استصداره في ذروة التضليل الإعلامي والدبلوماسي منذ آب 2013م، وقد تبين بالدلائل القاطعة أن الدولة السورية متعاونة مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أبعد الحدود، وهذا ما اعترف به ممثلو تلك المنظمة شخصياً وضمن تصريحات رسمية تشيد بتعاون الدولة السورية التي نفذت الكثير من التزاماتها قبل المهل المحددة والمتفق عليها، وليس هذا فحسب، بل إن بعض الدول اللاهثة وراء استصدار قرار من مجلس الأمن لم تفِ بتعهداتها وما هو مطلوب منها في عملية التخلص من الأسلحة الكيميائية، فضلاً عن أن الوضع الأمني القائم، وإرهاب العصابات المسلحة الذي فاق كل وصف يشكل السبب الرئيس والمباشر لتأخر شحن المواد الكيميائية، ناهيك عن محاولات تلك العصابات استهداف أماكن وجود المواد الكيميائية، واستهداف القوافل التي تقوم بنقلها تمهيداً لتسليمها وفق ما تم الاتفاق عليه.‏‏

2- افتضاح حقيقة العزف النشاز على وتر المساعدات الإنسانية لتكون مطية لتمكين العصابات الإرهابية المسلحة من تحسين وضعها وتزيدها بالدعم اللوجستي والعسكري المطلوب، وإخفاق جميع المحاولات الرامية لربط ما حصل في حمص القديمة بمحادثات جنيف2، لأن حقيقة الأمر تؤكد أن إخراج بعض المدنيين من أحياء حمص القديمة وإدخال قوافل الإغاثة إنما تم بموجب الاتفاق بين محافظة حمص والبعثة الدائمة للمنظمة الدولية المكلفة بمتابعة هذه القضايا، وقد رأى العالم بالصوت والصورة ما تقوم به الحكومة السورية من جهود جبارة لإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين ، في حال تقوم العصابات الإرهابية المسلحة باستهداف تلك القوافل بالعبوات الناسفة وقذائف الهاون ورصاص القنص الذي أصاب عدداً من موظفي الهلال الأحمر السوري، وهو ما سبق وأن تكرر في المعضمية ومخيم اليرموك وغيرها من مناطق تسعى الدولة السورية لتخفيف المعاناة عن المدنيين المحاصرين والذين تستخدمهم العصابات المسلحة كدروع بشرية في مواجهة الدولة السورية.‏‏

3- إنجاز العديد من المصالحات المحلية التي أرخت بظلالها الإيجابية على دورة الحياة الطبيعية في العديد من المدن والبلدات كما حدث في المعضمية وبرزة، ومحاولة نقل التجربة إلى الكثير من أحياء الريف الدمشقي الذي بدأ يشهد خروج مسيرات شعبية مؤيدة لجهود الجيش العربي السورية ومصممة على التعبير عن الانتماء الخالص للوطن وتحت راية قيادته الرافضة لأي مساس بمقومات سيادية القرار الوطني.‏‏

4- ارتفاع حدة الأصوات المحذرة من خطر الإرهاب الذي تم تصديره إلى سورية، والتشديد على ما يمثله من مخاطر وتهديدات جدية تواجه الأمن القومي لجميع الدول الأوربية، ومن بين الأصوات المرتفعة أصوات أمريكية أكدت فشل السياسة الأمريكية تجاه سورية وضرورة التعامل بمنتهى المسؤولية مع الأخطار المتزايدة جراء إمكانية انتشار الإرهاب ووصول تهديداته إلى الداخل الأمريكي.‏‏

من كل ما تقدم يتبن أن الجولة الجديدة لجنيف2 أمام احتمالين أساسيين فإما أن تستمر واشنطن بالمماطلة والتسويف لإطالة زمن المواجهة المفتوحة بهدف استنزاف أكبر قدر ممكن من دماء السوريين، وهو الاحتمال الأرجح، وإما أن توعز لأدواتها وأزلامها المأجورين في ممالك النفط الخليجي وبعض الدول الأقليمية ليقوموا بدورهم بلجم العصابات الإرهابية المسلحة ، أو الامتناع عن تقديم التغطية ونفقات التمويل والتسليح ، وفي هذه الحالة يتكفل الجيش العربي السوري بالقضاء على من يتبقى منهم داخل الأراضي السورية وبزمن قياسي، وفي كلا الحالتين يتوجه وفد الجمهورية العربية السورية للمشاركة في الجولة الثانية من جنيف2 وجميع أبناء الوطن على يقين أن الوفد قادر على حمل الأمانة وتأدية الرسالة بكل جدارة وكفاءة ومسؤولية، في حين يتابع رجال الجيش مهامهم الميدانية النوعية بكل حزم وثقة بالنصر، وإصرار على متابعة هذه المهمة الوطنية والأخلاقية والدستورية حتى القضاء على آخر إرهابي تم تجنيده لتفتيت سورية تمهيداً لتفتيت المنطقة، لكن صمود سورية ولَّد بيئة استراتيجية جديدة لدفن الأحادية القطبية وولادة عالم متعدد الأقطاب.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية