|
مجتمع الأسرة هي المؤسسة الأولى التي تحتضن الطفل و تؤثر فيه و تزداد أهميتها حين يمتص الطفل من رحيقها الطيب سمات المواطنة الصالحة و الفطرة السوية .. و هي بالتالي النبع الساقي للطفل من عادات و تقاليد و أفعال , فالأسرة تؤثر في سلوكه و تفكيره و معتقده و نظرته للحياة و على هذا فهناك سمات تحددها البيئة, في حين توجد سمات تتأثر بالبيئة و الوراثة معاً كما في سمة الذكاء وسمة البيئة هي التي تحدد طبيعة اكتساب الطفل للعادات و التقاليد و اللغة و هو ما يسمى بالتنشئة الاجتماعية , التي هي تشكيل الفرد عن طريق ثقافته ليتمكن من الحياة في هذه الثقافة و لكي يعيش في بيئه و مجتمعه متكيفاً مع هذه البيئة لا بد أن يتعلم لغة مجتمعه و عاداته و تقاليده و قيمه . و صدرت تعاريف كثيرة للتنشئة الاجتماعية تتخلص بأنها العملية التي تتشكل من خلالها معايير الفرد و مهاراته ودوافعه واتجاهاته و سلوكه , و لكي تتوافق و تتفق مع تلك التي يعتبرها المجتمع مرغوبة و مستحسنة لدوره الراهن أو المستقبل في حياته . و يأتي دور الأب و الأم الهام في عملية التنشئة الاجتماعية , فالآباء لهم دور المعلم و قناة التصفية للقيم قبل نقلها للأطفال فهم يمثلون نماذج و مثلاً عليا للأطفال يقتدون بهم و يتقمصون و يقلدون تصرفاتهم و أفعالهم و أقوالهم . من هنا تأتي أهمية تربية الآباء أنفسهم و إعدادهم و تكوينهم و تزويدهم بالعلم و المعرفة و التدريب ليكونوا خير قدوة لأبنائهم , و قد شعرت الأمم الراقية بالحاجة إلى تربية الآباء و تزويدهم بالثقافة الوالدية الأسرية و أجريت لهم دورات دراسية في علم نفس الطفل و التربية لتنويرهم في مراحل نمو الأطفال و كيفية التعامل مع الطفل في كل مرحلة عن طريق إعداد برامج لتزويد الشباب و الفتيات المقبلين على الزواج بالضروري من المعلومات في علم نفس الطفل و التربية الأسرية و علم الاجتماع . و للأسف ينشأ الكثير من الأطفال في أسر تتركهم للمقادير و الأخطار فالآباء والأمهات يخطئون بحق أولادهم و كثير من الأسر لا تعاني من الفقر و نقص وسائل الصحة و التغذية و جهل الوالدين فقط بل يعاني الأطفال من الحرمان وعدم الانسجام مع رغبات الكبار و عواطفهم مما يؤدي إلى طفل يعيش حالة نفسية غير سليمة عند الطفل . و قد بينت البحوث و الدراسات التي أجريت على الآباء الذين يعيشون حالة الدفء القائم على أساس الحب مستخدمين منهجاً معتدلاً في تقييد السلوك .... مثل هؤلاء الآباء نشأ أبناؤهم و هم قادرون على ممارسة الكثير من أنماط السلوك الجيد و احترام الذات و الكفاءة و المقدرة و الضبط الذاتي و القبول من الزملاء كل ذلك ضمن منهج يقوم على الشرح و التأويل و الاستدلال و التعقل و الاقناع والحب و العطف . و يجب الانتباه إلى سلوكياتنا مع أطفالنا الذين يستغربون أي سلوك صادر من الكبير يخالف أقوالاً و تعليمات صدرت من كبير آخر فعقل الطفل لا يقبل التناقض و لا يمكنه التبرير لأفعال يراها مخالفة لما تعلمه ... كأن نقول للطفل لا تكذب مهما كان الأمر و ننسى أنفسنا عندما يرن الهاتف و نشير لطفلنا بأن الأب غير موجود ..... يقول « سوخوميلنسكي « : ( من الخفير حتى الوزير يمكن استبداله بمثله أو بعامل أكثر كفاءة منه لكن من غير الممكن استبدال أب جيد بآخر ) . و تربية الأبناء مسؤولية يتقاسمها الأب و الأم فالأب هو مصدر السلطة في المنزل و دوره أساسي في تنشئة ابنه و في تشكيل شخصيته و الابن يرى في أبيه القدوة الحسنة و مصدر القوة و المثال الطيب , وعلى ذلك فهو يرغب في أن يقلده و يتقمص شخصيته , و على ذلك يتحتم على الاب أن يمسك بزمام السلطة العادلة المتوازنة التي تسير على الصواب , ضمن اطار الوجدان و العواطف , و عليه أن يخصص الوقت للقاء يومي معهم يتعرف على مشاكلهم و أعمالهم اليومية و يعطي التوجيه المناسب لكل مشكلة أو تصرف . هذا اللقاء و التلاحم بين الآباء و الأبناء داخل البيت و خارجه في النزهات و التنقلات يشكل فرصاً مناسبة لتوجيه الأبناء للعادات الحسنة . فالأطفال يمتصون و يتمثلون سلوك و تصرفات الآباء و من دائرة الأسرة و عندما يتقدمون في العمر تتسع دائرة معارفهم و يختارون مثالهم من الواقع و مما عرفوه من التاريخ . و الآباء أنواع فهناك الأب الديكتاتور المتسلط و هناك الأب الضعيف و هناك الأب المدلل .و كلها أمثلة تودي بالطفل إلى القلق و الشعور بالكبت و عدم القدرة على نضج الأفكار و تكون الشخصية السليمة و لا تسمح هذه الأنواع للطفل أن يتمثلها في فكره و سلوكه و يعيش في حالة انعدام الأمان و التشتت .و هذه الأمثلة عكس النموذج الصحيح الذي ذكرناه سابقاً عن الأب الواعي المتوازن المدرك لحقائق الأمور و الذي يصل بابناءه إلى بر الأمان و لا يخفى طبعاً دور الأم الهام في عملية التنشئة السليمة بما تملكه من حب و حنان و عطف و رعاية سليمة . |
|