|
الاندبندنت وجدت أن تلك الفتوى تتناقض مع قناعاتها وأن لا سبيل للفكاك منها سوى بالهروب إلى مكان آخر تحسبا من إجراءات داعش وتصرفات زوجها الذي انضم إلى صفوفها. وعلى الرغم من أن زوجها لم يطلب منها القيام بعملية انتحارية لكنه أصر عليها إتباع دورة لتثقيف المرأة المسلمة وحضها على بذل الروح من أجل الدين. استجابت عائشة لطلبه وباشرت الدورة إلى جانب نساء أخريات، لكن ما ألقى بنفسها الهلع هي الإرشادات التي توصلت من خلالها إلى أن الدورة ليست في واقعها سوى نوعا من غسيل الدماغ لإقناع النسوة التضحية بالأمور الدنيوية من أجل نصرة الدين إن رغبن الفوز بالحياة الأبدية. لم تلق تلك الأفكار قبولا لدى عائشة التي ذهبت بعيدا بأفكارها للبحث عن طريقة تمكنها من الفرار من هذا الواقع المزري لذلك ادعت بضرورة بقائها في المنزل لتكون إلى جانب طفلها المريض لكنها كانت تُبيت لأمر آخر، وهو الفرار مع ولديها إلى أربيل حيث تمكنت من تحقيق هدفها مقابل دفع 1200 دولار لتسهيل تلك العملية. إن هذا الأمر يعطي مؤشرا عن مدى الحيف الذي تتعرض له المرأة من خضوع لزوجها فيما يسمى «بالدولة الإسلامية» فضلا عن فقدانها لحقوقها واستقلاليتها وحريتها وعدم السماح بالخروج من المنزل دون مرافقة أحد المحرمين، وفي الأحوال التي تخرج بها وتشاهد من قبل أحد مقاتلي داعش فإنه يعيدها إلى منزلها حيث يتعرض زوجها للجلد من 40 إلى 80 جلدة لسماحه لها بالخروج منفردة، كما وتُلزم النساء بارتداء النقاب. وهنا نتساءل إن كان ثمة مجتمع في هذا الكون يعامل المرأة بمثل تلك المعاملة الفظة إذ انه حتى في المملكة العربية السعودية التي تحظر على النساء قيادة السيارة أو في أفغانستان التي تتعرض بها مدارس البنات للحرق والهجمات المتكررة لا تحصل مثل تلك الأمور. إن قصة عائشة تعطي فكرة عن الحياة اليومية التي تنتهجها داعش التي ما أن دخلت الموصل حتى عمدت إلى قتل العديد من معارضيها والتسبب بهجرة الكثير من المواطنين لكنها لم تعف إلا على الذين يوقعون على بيان التوبة عن العمل لصالح الجيش العراقي أو الحكومة العراقية. تذكر عائشة بان زوجها وقع على بيان التوبة وقدم خدماته لداعش كجندي، وبعد خمسة شهور أصبح قائد وحدة. ولا تعلم تحديدا المهام المنوطة به وقالت «لم اتجرأ على سؤاله حول أي شي لأنه يقول لي لا تتدخلي فيما لا يعنيك» لكنها تقول بأنها في إحدى المرات رأت نقاطا من الدماء على بزته وتتوقع بأنه كان يشارك في عمليات القتل والسلب، ويكسب مقابل ذلك الكثير من المال، كما وله نصيب من الغنائم والممتلكات والأشياء الثمينة التي استحوذت عليها داعش ممن تعتبرهم أعداءها. ما أن انضم زوج عائشة إلى صفوف داعش حتى أصبح أكثر عدوانية، وأخذ يؤكد عليها بضرورة الطاعة المطلقة حتى لو تعلق الأمر التضحية بالروح والجسد لأنها إن لم تطعه لن تفوز بالجنة بل سيكون مصيرها جهنم، وفي الحياة الدنيا ربما تعاقب أو تساق إلى السجن. لذلك تظاهرت بالطاعة له وللشريعة كما تظاهرت بالاستجابة للضغوط التي تمارس عليها لتصبح انتحارية لكنها مع ذلك كانت تخشى باستمرار من أن يلقى زوجها مصرعه وعندها ستقوم داعش بإلزامها الزواج بشخص آخر. إن الفوز بالشهادة لدحر أعداء الدين يعتبر من صميم إيديولوجيا داعش ذلك ما كان يدرس أثناء الدورة التي أصر زوج عائشة عليها حضورها، وإن التفجير الانتحاري هو تكتيك عسكري فعال، حيث يتحول المتطوعون المتعصبون من غير المدربين إلى أسلحة فتاكة. وإزاء ذلك تخشى العائلات في «الدولة الإسلامية» والتي بات يقدر أعداد سكانها بحوالي 6 ملايين من أن يتم غسيل أدمغة أولادهم للتضحية بأنفسهم. الأسباب ذاتها هي التي حدت بنورا، تلك المرأة المتزوجة البالغة من العمر 36 عاما، للفرار من الموصل برفقة زوجها مع أطفالها الستة وذلك عندما باشرت داعش بإنشاء معسكرات يتم بها تدريب الشبان المراهقين على القيام بعمليات انتحارية. وقد ذكرت نورا للاندبندنت في مقابلة لها وعائلتها بأن «أطفالها كانوا يخضعون للابتزاز نظرا لقرار داعش بإنشاء مخيمات للمراهقين الذين تبلغ أعمارهم ما بين 12 و16 عاما لتدريبهم على العمليات الانتحارية» وذكرت بأن الواعظين لا يتحدثون عن العمليات الانتحارية بشكل مباشر بل يتحدثون عن نيل «شرف الشهادة». واستطردت نورا القول بأن الشبان الذين لا يجدون فرصة عمل يلجؤون للانضمام إلى داعش بغية الحصول على لقمة العيش. ومن المؤسف انضمام العاطلين عن العمل إلى صفوفها، وذلك ليس بدافع تأييدهم لها بل لأن ذلك هو الخيار الوحيد المتاح أمامهم حتى ولو لم يرغبوا به» وبصرف النظر عن فكرة تدريب أطفالها على العمليات الانتحارية، فإن نورا وأمثالها يعانون من صعوبات جمة منها انقطاع التيار الكهربائي الدائم، وعدم توفر المال لدفع ثمن مولدة كهربائية، وغلاء اسطوانات الغاز، وغلاء الأسعار، إضافة إلى نقص في المياه النظيفة. تتماثل أقوال عائشة ونورا في وصف الحياة في ظل سيطرة داعش، لكنهما تختلفان على أمر واحد، حيث ترى عائشة بأن تنظيم الدولة الإسلامية لن يهزم إذ على الرغم مما تجابهه من أزمة مالية فإن ثمة حلولاً أخرى لديها جراء فرض غرامات على السكان وإلزام الراغبين بالمغادرة دفع مبالغ باهظة الأمر الذي حدا بها للاستعانة بالمهربين لتسهيل فرارها. أما نورا فترى بأن داعش ستهزم عندما ينفد ما لديها من أموال حيث سيتفشى الفساد بين صفوفها وتستطرد القول بأن «العامل المدمر لداعش سيكون الرشوة والمحسوبية والمحاباة التي ستكون بمثابة الضربة القاضية لها.» مما يلفت النظر عدم الوقوف على أي تصور لمقاومة مسلحة تجابه بها داعش على الرغم مما ينهجه هذا التنظيم من سعي لتوظيف النساء والأطفال في القيام بعمليات انتحارية. |
|