|
متابعات سياسية وفي مثل هذا الموقف تكون المسألة متصلة بمصير الأمة بكاملها بما يعني إلغاء كل مراحل التشكل والرسوخ التاريخي للأمة وإعادة بنائها على قواعد ثلاث باتت معروفة ومكشوفة هي قاعدة التجزئة على التجزئة وقاعدة الاقتتال والصراع الذاتي كبديل عن مواجهة العدو الحقيقي وقاعدة نسف كل الاعتبارات والمقومات الأخلاقية والقيمية للعرب جميعاً. كل ذلك في إطار هذه اللحظة التي يرون فيها امتيازاً واقعياً للذهاب نحو نقل الأمة بوجودها الراهن المنكوب والمخترق وبتاريخها ومعتقداتها إلى المستوى المستجد والذي لاملامح فيه سوى الدمار والتهالك وتعميم صور الدم والشعارات الخارجة عن إرادة الحياة ومكونات الأمة، ولايجدي في التعامل مع هذا الواقع أن ننحرف عنه نتجاهله ونلوذ بالصمت ومواعيد الانتظار المفتوحة على المجهول والأسوأ ،ولايجدي كذلك في معالجة هذا الواقع أن نسلم أمرنا للأجنبي ونضع مقاليد فعلنا تحت تصرف من ينصب لنا أعواد المشانق وهو يدعي بأنه ذاهب لينقذنا من أنفسنا وليرفع على أكوام الإرهاب والموت رايات جديدة هي التي تستحقنا وهي التي نستحقها. إن المسارات صارت معروفة وإن تعددت بطريقة التكاثر أو داخلتها مع كل مرحلة خطوط مضافة مادام المشروع العدواني يجد الطرق سهلة أمام هيجانه في الحياة العربية إذ هناك باستمرار قوى من الخارج والداخل تمتلك هذا الشبق الأسود بامتهان فعل التدمير وسفك الدم وقلب حقائق الوجود، والقانون الطبيعي والإنساني معطل في المواقف العربية وهو الذي ينص على أن كل فعل فيزيائي أو إنساني ينتج عنه رد فعل يساويه في القوة ويعاكسه في الاتجاه. لكن الراهن العربي يؤكد أن لافعل ولارد فعل وهو موزع بين الموت والانتظار وحجز مكان في المستعمرة الكبرى للمشروع الإرهابي الجديد، ومافي المسألة يأس أو تيئيس بل هو المشاهد والملموس والمحاط بالمرارة والذهول والغثيان، وهذا هو المسار الأول الذي تشتغل عليه الآن قوى العدوان والإرهاب بكل مواقعها وتشكيلاتها، لابد من تعطيل حركة الحياة في الواقع العربي كحد أدنى والسعي مباشرة نحو مسارات وتوزعات تؤمن للاستسلام البيئة المناسبة ولنلاحظ بأن العربي لم يعد على الحياد بل صار يقتل أخاه العربي بدم بارد ولنلاحظ بأن الإسلام تحول إلى مادة التحريض على إزهاق الأرواح والتعدي على الحرمات وقتل الأطفال والنساء بلا هوادة. إن المعنى المشترك في كل هذه القصة هو تعطيل فاعليات الحياة العربية بطريقة الإغلاق والحصار الفكري والاقتصادي وبطريقة التغيير القسري لنظام أولويات هذه الحياة حتى صار الموقف صادماً ومحيراً في آن وصرنا كعرب مطالبين بأن لانرفع يدنا أمام سكين الجلاد لأنه سوف يحتسب على أن اليد المرهقة وقفت أمام السكين القاتلة وعندها تصبح الضحية جلاداً ويصبح الجلاد ضحية وتنتشر مادة الموت والانحطاط من المحيط إلى الخليج حيث لافعل ولارد فعل ولافطنة تستحضر ماهو قادم على جناح التلاشي باعتبارات مايحدث الآن بهذا المستوى من تكاثر الأزمة ودخولها إلى أعماق الأمة، لم تكن الأنظمة العربية ولا النخب الحية في المجتمعات العربية تدرك خطورة منسوب حركة الحياة التي لابد أن تبقى متجذرة من جهة ومتجددة من جهة أخرى، كان كل نظام يشتق من مساحة وجوده شعارات معومة ومصطلحات أقرب ماتكون لمشتقات الحياة البدوية والبدائية حتى وإن اصطنعت لنفسها مفردات قومية وأشلاء من مفردات اجتماعية وسياسية وهذا المسار يعرفه عن العرب المستعمر القديم والحديث ولاسيما مع مطلع القرن العشرين ويدرك بأن درجة النضج لم تأت بعد لنمو واقع عربي حي متحرك ويمتلك قابلية التطور والانفتاح. ثم يأتي دور المسار الثاني في ترتيب عناوين المؤامرة الداهنة الكبرى وهو المتمثل بحالة الانكفاء على الضيق والمفرد والذاتي والانطفاء التدريجي الذي سوف يصاحب حالة الانكفاء والارتداد، لقد ابتلي العرب بعقلية عشق الذات مادامت تملك هذه الذات المال الحرام والفكر المترهل المروج للتقوقع واعتبار الانتصارات هي الموعد والسبيل والهدف وان لم تحدث في يوم من الايام، وكانت قوى الاستعمار تتخذ منا وسيلة تآمرها ومتعة لهوها ومادة تجاربها علينا وكأننا لسنا من البشر ولانمتلك نسبة من الارادة وبهذا المعنى كانت حالة الانكفاء والانطفاء تنسحب على وجودنا البشري وعلى تراثنا وارثنا وعلى نمط تفكيرنا ومصالحنا الأساس. واللعبة هذه سهلة ومفتوحة الأكناف والجوهر وتتحرك بدوافع غرائزية الى أن يتم إيصالها الى المدى الذي نعيشه الآن حيث لااحساس بالمسؤولية ولا بالخطر بحيث تصبح الكرامة وشرف الوجود مجرد انقاض اثبت الزمن فشلها وعدم حاجة السياسات العربية والنخب العربية اليها ، وهكذا صرنا نؤكل بالجملة ودفعة واحدة وبعضنا شاهد ومشهود وبعض آخر يستحضر الوقود وحفر الاخدود على طريقة مافعله اليهود وذو النواس في اليمن ضد المؤمنين النصارى في ذلك الزمن القديم، إنها تبدلات جذرية وليست مجرد مسارات لقد آنس العدو الخطر إمكانية ان نتكون ونتلون حسب حاجته ومقتضى مصالحه، وكاد الظلم والظلام يطلق علينا بعد ان أسدل خباه ووضعنا أنفسنا تحت تصرفه لولا تلك الجذوات التي ماتزال مشعة ومشتعلة تتحصن في مواقع الشهادة والشهداء وتمسك بالتاريخ والمصير من خلال التضحيات والكلفة العالية والجذوات.. هذه سورية المنشأ عربية الهوية وحركتها إلى الأمام على الدوام. |
|