|
ثقافة
وهو يعتمدعلى تقنيات التشكيل العفوي بالزيت والاكريليك والمائي والحبر الصيني وقلم الرصاص وغيرها، على القماش والخيش والكرتون والسطوح المختلفة، ويذهب في لوحات أخرى، لإظهار العقلنة، والتشكيل الحروفي الهندسي، الذي يتوازى مع حركة الانفعالات، وذلك بالابتعاد عن الارتجال، وتقديم التكوينات الرصينة والمدروسة. حروف ونقاط ونوته ففي بعض لوحاته يجعل حركة الحروف تتداخل مع الشكل الهندسي أو تبرز من خلاله، وبذلك فهو يعمل في هذه المجموعة من اللوحات، لإيجاد المزيد من التوافق والمواءمة، بين الاندفاعات العاطفية والرقابة العقلانية، رغم كل ما يبرزه من تحرر في حركة التشكيلات والخطوط، من تلك السلطة الهندسية، المعتمدة ضمن بعض عناصر اللوحة، وهو حين يعمل على تحويل الحروف، إلى دلالات جمالية خالصة، تتكرر وتتنوع من لوحة إلى أخرى، فإنه يعكس هواجس شاعرية أحياناً، في حين تبقى الأجزاء الأخرى فارغة، حتى إنه يكتفي في أحيان كثيرة، بوضع أجزاء مختصرة من حركات الحروف وبعض النقاط، وهذه الطريقة تساعد في ابراز نسيج سطح اللوحة الخام، الذي هو جزء أساسي في معظم لوحاته.
ولقد استطاع نذير نصر الله، من مواليد دمشق 1946، وخلال تجربة طويلة، كشف غنى حركة الحروف العربية، وقدرتها على تجاوز الدلالات اللغوية المقروءة، والتواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية، وبذلك فهو يتطلع دائماً إلى بناء لوحة تلامس جوهر الحضارة العربية، وتنقل انفعالاته الحرة، بعيداً عن مأثورات التقاليد. وحين يجعل حركة الحروف الحرة، تخترق شكل المربع أو المستطيل، فإنه يذهب إلى ترجمة انفعالاته الخاصة وتوجهه الحروفي الجمالي، الخارج على النظام الهندسي، وبالتالي فكل شيء في لوحته يأتي بشكل عفوي، التكوين الهندسي والإيقاع الحروفي والاسترسال العاطفي والوجداني. حركة التوقيع ويقدم ايقاعاته الحروفية بحرية وبعفوية وباختزال يثير التساؤلات حول مسلكه التعبيري والتقني، ويصل في احيان كثيرة، إلى حدود استخدام عدة حركات حروفية في اللوحة، وبطريقة تشبه التوقيع، واللوحة تتخذ عنده شكل الاختبار التشكيلي والتقني، رغم أنه يحقق اسلوبية، حتى في أقصى حالات الاختصار والايجاز، ويصل إلى درجة الإحساس بروحية حركة الحرف العربي، والجمع في نهاية المطاف، بين العناصر والرموز والدلالات اللونية الذاتية، في ايقاعاتها الهندسية والغنائية ( حيث يجعل الحرف احياناً يخترق اشكال المستطيلات والمربعات ). وهو يظهر في لوحاته المزيد من العفوية، في تجسيد حركة الحروف العربية، بحيث تتحول الحركات الخطية أحياناً، إلى صياغات انفعالية، أشبه بالارتجال أو بالتواقيع، المتتابعة والمتداخلة كأنغام بصرية، تمتد بين حركة الحروف وبعض الحركات اللونية المتناهية العفوية، والتي يضعها أحياناَ على صفحات من نوتات موسيقية، تتجاوزالدلالات المقروءة، في خطوات البحث عن العمق الجمالي والتشكيلي والإيقاعي والذاتي. وبالرغم من أنه يعمل في إطار اظهار ايقاعات الخطوط والكتابات العربية، في العديد من لوحاته، فهو في النهاية يشحن بعض لوحته بمزيد من العفوية والتلقائية والارتجالية، ولذلك فهو لا يدخل في تشكيل النص الكتابي، في إطار التشكيل الحروفي البحت، وبمعنى آخر مهما استغرق في رحلته وكتاباته الحروفية، فإنه في النهاية يهتم كثيراً بالجوانب التعبيرية والذاتية والانفعالية، حتى حدود الاكتفاء بحركات خطية سريعة ومختصرة الى اقصى حد احياناً، ولهذا فهو لا يهدف الوصول الى اللوحة الحروفية بجمالياتها الاتباعية، وإنما يريد الوصول الى روح الحرف وإشاراته وحركاته، المترسخة في الذاكرة والوجدان كبصمة لاتغيب. بين الرسم والحفر والنحت وهو يمارس حريته المطلقة في البحث التشكيلي والتقني والجمالي، حيث يتنقل بين تقنيات الرسم والحفر والنحت النصبي، حتى أن اختصاصه في كلية الفنون الجميلة في دمشق، وفي المدرسة الوطنية العليا للفنون الجميلة في باريس، كان بمجالي الحفر والنحت. ومن الناحية التشكيلية يجعل ايقاعات الحروف تتركز في بؤرة معينة من اللوحة المرسومة أو المطبوعة، في وقت يستطيع فيه أن يمارس حريته المطلقة في التشكيل والتلوين، ويذهب في أحيان اخرى لتقديم اللوحة المشغولة بتدرجات الأسود والأبيض. وبذلك يكون الاتجاه التعبيري الذاتي، هو الاكثر حضوراً في فضاءات التشكيل، وحين لايهتم بالاسلوب التقليدي أو التسجيلي، في كتاباته المباشرة على سطح اللوحة، فإنه يخدم هذه المفارقة الجمالية. وإذا كانت المصادر الثقافية التشكيلية المعاصرة، تتخطى اليوم لغات البلدان والشعوب، فهذا يساهم أو يجعل لوحاته، المرتكزة على حركة الحرف العربي، قادرة على لفت انظار الاجانب، لأن لغة الفن الحديث، تحمل هواجس تقنية ودلالات جمالية مشتركة، حتى وإن تضمنت اللوحة كتابات عربية، وبعبارة اخرى اللوحة الحديثة، لاتحتاج إلى ترجمة أو إلى وسيط أو دليل سياحي. ولاشك ان الطابع الثقافي، اي طابع الاختبار والتجريب والبحث الفني والتقني والتنويع المتواصل، قد عمق مرتكزات بحثه التشكيلي والجمالي والتقني. فالتشكيل بالنسبة له، هو مدخل لالتماس الايقاع الذي يسكن جوهر الاداء التصويري التجريدي، هو الاشارة الاولى التي تومئ بها رؤى جمالياته الحديثة, وهذه الرؤى الحضارية تجعل اللوحة تحمل كل تداعيات الماضي، المكتنز بصوره واشكاله ومناخه, وتجعل اللوحة تبتعد في النهاية مسافات شاسعة عن المثالية الكلاسيكية والقواعد الحروفية الاتباعية. ويمكن للمشاهد التماس جوهر التشكيل الحديث الخاص والمميز، بمجرد ان يلقي نظرة واحدة الى لوحاته،يجدها تحقق الوحدة النسيجية، في اسلوب توليف وتشكيل عناصره ومفرداته وعناصره الجمالية. facebook.com/adib.makhzoum |
|