تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حين يحضر «العامل الأجنبي» ويغيب االوجدان الوطني في سلوك المعارضة

دراسات
الجمعة 6-12-2019
فؤاد الوادي

أهم ما يميز حضور المجموعات التي تسمي نفسها (معارضات)، هو أن ذلك الحضور المتكرر على الطاولة السياسية كان دائماً يرتبط بحضور العامل الأجنبي، وهذا الحضور لم يكن على الطاولة فحسب،

بل هو حضور في الاستراتيجية يفرض وجوده على آجندة أولئك الأشخاص وعلى مواقفهم وتصريحاتهم، إلى درجة أنه عندما يتكلم أحد منهم تشعر تلقائياً أن الذي يتكلم هو طرف خارجي وتحديداً هو طرف عدو للشعب السوري.‏

هذا الأمر كان ظاهراً وملاحظاً جداً طيلة الاجتماعات وجلسات الحوار السابقة التي جرت مع أولئك الأشخاص بغض النظر عن التسميات والعناوين التي جاؤوا تحتها، وهذا بطبيعة الحال يعود إلى أسباب تلتقي جميعها عند تورم الطموحات والأحلام السلطوية عند هؤلاء الأشخاص، تلك الأحلام السلطوية التي التقت مع فائض النهم الاستعماري والاحتلالي عند أطراف الإرهاب بغية السيطرة على شعوب ودول المنطقة للقبض على قرارها وإرادتها من أجل نهب ثرواتها وخيراتها بعد تدميرها وتفتيتها والعودة بها الى عصور ما قبل الحضارة.‏

من أبرز تلك الأسباب التي جعلت من حضور العامل الأجنبي أمراً ثابتاً ودائماً على أولويات آجندة تلك (المعارضات) التي باتت بحكم الترابط العضوي والوظيفي مع الأنظمة والدول المعادية للشعب السوري، تمثله وتنطق باسمه وتجهد لتحقيق طموحاته وأهدافه ( مع ملاحظة أن ذلك الحضور أضحى إجبارياً لا اختيارياً أي لا يخضع لإرادة أولئك الأشخاص )، من أبرز تلك الأسباب ..هو انغماسها المفرط في تنفيذ آجندة أسيادها إلى حدود الإدمان القاتل وذلك يعود ليقينها المطلق بعدم امكاناتها الفكرية والوطنية وبالتالي استحالة وصولها الى السلطة إلا عبر الدعم والتآمر مع أعداء الوطن، ولعل هذا ما يفسر سبب رفض تلك المجموعات الدائم والمتكرر لكل الثوابت والركائز الوطنية كما حصل في اجتماعات جنيف مؤخراً.‏

هذا بالإضافة إلى أن العامل الأجنبي، وخاصة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والنظام التركي، كانوا بارعين في استغلال ذلك الطموح المتورم عند تلك الأطراف الحالمة بالوصول الى السلطة بأي شكل وبأي وسيلة حتى لو كان ذلك على حساب دماء السوريين ووحدة وكرامة وثوابت الوطن، حيث لطالما غذت واشنطن ذلك الطموح بشكل ممنهج ومنتظم، إلى الدرجة التي لم يعد فيها مسموحاً لتلك (المعارضات) العودة خطوة واحدة إلى الوراء لأنها باتت في مرمى الاستهداف المباشر من قبل واشنطن، لاسيما وأن الأخيرة لا تجد ضيراً في التخلي عن أدواتها ومرتزقتها عندما تشعر أنها باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على سياساتها وإستراتيجيتها، ولعل الأمثلة كثيرة في هذا المجال، خاصة بعد أن فشلت وأخفقت تلك الأدوات في محاور ومفاصل كثيرة في تحقيق المطلوب منها لجهة قلب المعادلات وتغيير قواعد الاشتباك.‏

في نهاية المطاف فإن تلك المجموعات التي تحاول أن تلبس قناع العمل السياسي تحت مسمى (معارضات ) من أجل أن تخفي وجهها الحقيقي البشع، ليست إلا الجزء الآخر من التنظيمات والمجموعات الإرهابية على الأرض، لذلك من الطبيعي أن تكون جزءاً لا يتجزأ من العامل الأجنبي الذي يعتبرها أداة له في الميدان العسكري والسياسي، وهذا يعتبر أحد أهم الأسباب التي من أجلها غاب الانتماء الوطني عند أولئك الأشخاص واستبدل بالانتماء المصلحي الذي لا يكون إلا عبر التعاون والتآمر مع الأطراف الأجنبية التي كانت رأس حربة في التدمير الممنهج للوطن بكل أشكاله وألوانه.‏

في حديث الانتماء الى الوطن تبرز عوامل ودوافع استعمارية وأجنبية كثيرة للنيل من هذا الانتماء الذي كان ولا يزال يشكل عقبة حقيقية في وصول دول الاستعمار والاحتلال إلى تحقيق غاياتها وأطماعها وأهدافها، وقد تتجدد تلك العوامل والدوافع وتتبدل من حيث الشدة و حجم و مستوى ونوع الاستهداف بحسب العوامل الزمنية والتاريخية والسياسية المرتبطة بها، وقد تنجح دول الاستعمار بالتأثير على بعض الأشخاص الذين ارتموا بأحضانها للغايات والأسباب التي ذكرناها آنفاً، لكنها بالتأكيد لم ولن تكون قادرة على نسف الشعور والانتماء الوطني عند الغالبية العظمى من الشعب السوري الذين لا يزالون في خندق المواجهة ضد أطراف الإرهاب ودول الاستعمار.‏

بالتأكيد أن أولئك الأشخاص (أمثال)المعارضات الخارجية (دمى الغرب.. وهذا نقوله بحزن وأسف شديد- لايزالون يحملون جنسية الوطن ويدعون أنهم يتكلمون باسمه، لكن الأهم أن يعرف أولئك أن الوطن ليس جنسية تكتب بحروف مخملية على جواز السفر ويوضع في حقائب اليد الفخمة، بل هو أكبر وأسمى من ذلك بكثير، هو انتماء ما قبل الولادة، انتماء الشرايين والمورثات والجينات، انتماء الفداء والدماء والتضحية على حدود الوطن بالروح والغالي و النفيس.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية