|
ثقافة
أول أديب أوروبي يطلق فكرة استعلاء الغرب على الشرق, وقد لخص فكرته هذه بنظرية شهيرة قال فيها: (الغرب غرب, والشرق شرق, ولا يلتقيان). لقد جسدت هذه النظرية وقتها نظرة الاستعلاء الغربي عموما على الشرق والرؤية الدونية له باعتباره (بزعمهم) أوطانا وأمما خاوية خالية من الحضارات والثقافات.. وهي حالة لطالما كانت سائدة في الغرب الذي كان ينظر إلى الإنسان الآخر في الشرق نظرة أحادية من جانب واحد. لقد سقطت هذه الرؤية فيما بعد على أيدي الأوروبيين أنفسهم, عندما بدأت تتكشف لهم حضارات وثقافات الشرق, التي أسفرت عن أسرارها وعلومها العميقة والدفينة, ثم مالبث العالم كله - ومنه الشعوب الأوروبية - وإن أدرك المساهمة الفعالة لحضارات وثقافات الشرق, في سيرورة الحضارة الإنسانية وتركيبتها ودورها الإيجابي فيها. فالهجرات المتوالية - برأي المفكرين في الغرب والشرق - جعلت من تمازج الأعراق بين شعوب الأرض أمرا واقعا لم تستطع الحدود والأسوار أن تعزله وتفصله, والحقيقة التي يعترف بها هؤلاء المفكرون من هنا وهناك على حد سواء هي أن الغرب لم يعد غربا خالصا, كما أن الشرق لم يعد شرقا خالصا. إلا أن الصراع التقليدي بين الشرق والغرب لم ينته رغم هذا الاعتراف الصريح, ولعل هذا الصراع نفسه, هو الذي كشف عن الضرورة إلى المعرفة والتعارف والتواصل وانفتاح الشعوب على نفسها وعلى بعضها. من هنا تتضح أهمية الترجمة والمترجمين, فقد كانت الترجمة - ولم تزل بالطبع - الوسيلة المثلى لإرساء التفاهم والتواصل وتعزيز الانفتاح بين الشعوب والثقافات. لقد كان للمترجمين العرب الدور البارز على هذا المسار, ويعد «اسحاق بن حنين», أول من شق هذا الطريق الطويل, عندما قام بترجمة كتاب «ارسطو», الذي أثرى الثقافة العربية وجعلها منفتحة على الثقافات العالمية. وقد لعب المترجمون العرب دورا هو الأهم الذي مكن الدولة العربية في أوجها من التعامل مع مختلف شعوب الأرض. والحقيقة أن المترجم هو ذلك الإنسان الحي الذي يفني معظم عمره وهو ينقل أفكار الآخرين بأمانة, وهو صاحب المجهود الهائل, ومع ذلك فإن دوره واسمه بقي خفيا إلا في هوامش متفرقة هنا وهناك في طيات وصفحات الكتب والأبحاث, وعادة مايذكر اسمه بعيدا عن أماكن الاهتمامات وفي سطور نائية لا تلفت نظر أحد, بخلاف المؤلفين والباحثين, حيث تحتل اسماؤهم الصفحات الأولى دوما. ولعل أفضل تشبيه للمترجمين, هو أنهم كالفحامين في السفن القديمة الذين يعدون الوقود للمراجل الضخمة فيها ويقدمونه من دون أن يراهم أو يشعر بقيمتهم أحد من المسافرين حول العالم. ولكن فضل المترجمين يبقى غاليا وثمينا في إثراء الحضارة العربية منذ أن رأت النور, وإلى اليوم, فهم وسيلة ذات أهمية كبرى في المعرفة ونقل الثقافات من الشعوب وإليها. عبدالمعين محمد زيتون |
|