تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لا أؤمن بتعليم المرأة ..!!

مجتمع
الاحد 18/9/2005
محمد عنقا

يقع البيت في منطقة متطرفة عن قلب المدينة, لكن الداخل إليه يدرك منذ الوهلة الأولى أنها أسرة ميسورة الحال, تملك جميع وسائل الراحة المعيشية ومتطلباتها الحاضرة .

الأم سيدة بسيطة, رضية, نقية النظرة والمظهر, رحبت بنا ببشاشة مطبوعة دون مبالغة و دون تكلف, وقد التفت أولادها السبعة من حولها, أكبرهم لا يتجاوز الرابعة عشرة من عمره, ولا يكاد يبلغ الأصغر منهم ثلاث السنوات .‏

خمس بنات وصبيان, لفت البنات انتباهي بما يتصفن به من الحسن إذ كن جميعاً بيضاوات شقراوات, ناعمات التقاطيع, شعورهن مرسلة طويلة, عيونهن واسعة تتميز بلون أخضر نادر, كأنهن قد أتين من إحدى البلدان الأوروبية.‏

سألت الكبرى وكانت ذات أنف لطيف أشم, ما اسمك?..‏

قالت : دلال, قلت في أي صف أنت الآن, قالت : لست تلميذة في المدرسة, قلت أين تتعلمين إذاً, قالت : لا أتعلم في أي مكان. قلت كيف?... وهنا تدخلت الأم تقول: إن بناتها لم يدخلن المدرسة أبداً ... لأن والدهن لم يرد لهن أن يتعلمن .. لماذا? .. أشارت الي لأسأله قلت : والصبيان? .. قالت : لا, الذكور غير البنات. إنه يعتني بتدريسهم عناية كبيرة ليجعلهم من المتفوقين في المدرسة, يجلب لهم الأساتذة المختصين.‏

من أجل اعطائهم الدروس الخاصة, ولا يبخل من أجل تعليمهم بشيء. كما أنه يوفر لهم كل ما يطلبونه من نفقات أو مصاريف.‏

قلت : والفتيات ماذا يعملن الآن...? .. قالت : رفض أبوهن أن يفسح لهن المجال ليتعلمن الخياطة, لماذا..? تقول الأم, هكذا يرى الأب أن لا تتعلم الفتاة غير تدبير المنزل وتربية الأطفال.‏

ولكن تربية الأطفال تحتاج أيضاً الى علم ودراية. تحتاج لأن تعرف الفتاة كيف تقرأ على أقل تقدير. سألت الأم, وأنت هل تعرفين القراءة والكتابة. قالت: نعم .. وأحاول أن أعلمهن بعض القراءة والكتابة مما تعلمته. تجهم كل شيء أمامي, أين نحن الآن..? .. وفي أي عصر نعيش? بدا لي أن كل شيء حولي وكأنه عبث أو خيال, أي أب مجنون هذا..?‏

البيت مضاء بالكهرباء, ويوجد فيه جهاز تلفزيون, وفرن غاز, وغسالة اوتوماتيكية وبراد, وآلات تسجيل رفيعة الصنع, ومكبرات صوت, في غرف الأولاد. وأجراس غير مرئية, ولوحات وديكورات, وأدوات مطبخية كهربائية من أحدث ما جاء به العلم. والبيت ابتداء من غرف النوم حتى غرفة الضيوف يشير الى أننا نعيش في بيت فخم.‏

والجميع يسمعون من المذياع ويرون على شاشة التلفزيون ما وصل إليه البحث والعلم, وما اكتشف من المجاهل وما ارتقى إليه الإنسان من الكواكب, وجميع أفراد الأسرة يستمتعون بكل ما وهبه العلم من رفاهية, وصحة, ودواء, وغذاء.‏

والبنات الخمس يرتدين أحدث الأزياء, وأجمل الأثواب والزينة, قلت للأب: أتستطيع أن تقنعني بالسبب الذي منعك من تعليم بناتك?..‏

قال : لاشيء سوى أنني لا أؤمن بتعليم المرأة و لا بحريتها ولا أريد أن أؤمن بذلك. وقد عبر بذلك عن ملكيته التامة لبناته وحريته في أن يتصرف بحياتهن كما يشاء. قلت أتظن أنك بذلك تستطيع أن توقف عجلة التطور بما اتخذته من إجراء ضد بناتك? وهل تضمن لنفسك أن تعيش الى أبد لتحميهن? قال بإيجاز: قد أكون على خطأ, لكنني رغم ذلك راضٍ عن نفسي.‏

إذاً لا فائدة, فلنكف عن الحديث فالرجل وحده هو ولي أمر بناته, وليس لأحد أي حق في أن يعارضه, أو أن يلومه على أنه سيتركهن أميات لا نور يهديهن, ولا سلاح يستطعن به الذود عن أنفسهن إن دعتهن ظروف الحياة الى الخوض في خضمها الشاق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية