|
شؤون سياسية لم يكونوا يقصدون فلسطين بمساحتها الجغرافية فحسب بل كانوا يخططون لأبعد وأكثر من ذلك وبما يقتضي تسخير شعوب المنطقة وثرواتها وموقعها لخدمة المشروع الاستعماري الغربي آنذاك. وبهذا المقياس لم تكن اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت المنطقة بعقلية استعمارية حاقدة ومن بعدها وعد بلفور المشؤوم سوى خطوة أولى في الطريق لإنشاء الكيان الصهيوني العنصري الذي أُريد له أن يكون أداة للعدوان والبلطجة الدائمة وأسلوباً جديداً في ترسيخ واقع التجزئة والانقسام والضعف العربي، فالغرب عمل ويعمل باستمرار من أجل ضمان تفوق إسرائيل عسكرياً على كل الجيوش العربية، وسعى ويسعى لضرب وزعزعة أي تقارب عربي- عربي من شأنه مواجهة إسرائيل أو محاصرتها لتبقى القوة الضاربة والولد المدلل الذي يحظى بالدعم والمساعدات ويفلت من عواقب ما يرتكبه من مجازر وموبقات وانتهاكات. ومن يرد أن يتعمق أكثر في فهم حقيقة ما أحدثته النكبة في منطقتنا فلينظر إلى التشرذم العربي الحالي وحالة العداء المستحكمة التي تكنها بعض أنظمة الخليج المعادية لسورية ومحورها المقاوم والداعم للشعب الفلسطيني، حيث برهنت مشيخات وممالك البترودولارعلى أنها أشد تآمراً وحقداً على سورية وحركات المقاومة من إسرائيل ذاتها، ولعل الجميع يشاهد اليوم كيف يتهافت بعض العرب على رضا إسرائيل وحليفتها أميركا أكثر من تهافتهم على رضا شعوبهم، لدرجة تعويلهم على إسرائيل في بقاء عروشهم المتهالكة وفي تنفيذ مخططاتهم التآمرية المشبوهة، وليست حرب تموز عام 2006 في لبنان وحرب اليوم على سورية سوى بعض تداعيات النكبة العربية الكبرى. غير أن المفارقة المؤلمة أنه في العام 1948 وبرغم الضعف العربي ووجود بلدان عربية تحت نير الاحتلال إلا أن المروءة والنخوة العربية تحركت، وتطوع الكثير من العرب من أجل إنقاذ فلسطين وإنقاذ شعبها من المؤامرة التي حيكت لتشريدهم وتسليم أرضهم للعصابات الصهيونية، في حين يسعى اليوم بعض العرب لتسهيل تصفية القضية الفلسطينية من خلال التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني ووضع يدهم في يد المحتل الإسرائيلي والتعامي عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال وتجاهل الاستيطان وتهويد القدس ومحاولات تدمير الأقصى وتهجير ما تبقى من شعب فلسطين على أرضه، وتناسي حق عودة اللاجئين ومساعي الإسرائيليين للحصول على اعتراف دولي بيهودية كيانهم العنصري. نكبة العرب اليوم لا تقتصر على فلسطين فحسب وإنما تمتد لتشمل مناطق وبلدان أخرى تحت مسمى الربيع العربي، وللنكبة هذه الأيام طعم أكثر مرارة، فالعرب الذين «قاتلوا» في الشكل ذات يوم من أجل فلسطين يقاتلون اليوم بكل قوتهم وإمكاناتهم من أجل طمس وتصفية هذه القضية، والعرب الذين ساندوا سورية بالقليل القليل من طاقاتهم أثناء حرب تشرين المجيدة التي أعادت للعرب كرامتهم، ينفقون اليوم مليارات الدولارات لضرب قلب العروبة النابض، ويرسلون السلاح والمرتزقة والإرهابيين للقتال ضدها وضد شعبها تحت عناوين مضللة، بدل توجيه الجهد والدعم إلى جبهة فلسطين حيث العدو الذي يستهدف كل العرب في حاضرهم ومستقبلهم وفي وجودهم. وفي كل يوم تتكشف نكبة العرب عن وقائع وقحة ومخزية جديدة، فالضغط والحصار والتحريض العربي والحملات الإعلامية المضللة من قبل الإعلام العربي تجاه سورية لم تتوقف منذ ثلاث سنوات ونيف، وأصبح من الممكن تلمُّس الموضوعية في إعلام العدو أكثر من تلمسها في هذا الإعلام العربي المتصهين الذي يمارس الفجور والدجل والتضليل ضد كل ما هو عربي لحساب أجندات خارجية. ولكن مهلاً، فرغم كل ما ذكر ثمة فسحة للأمل والتفاؤل، فسورية الصامدة بشعبها وجيشها وقيادتها في وجه هذه الحرب الكونية، ما تزال تحمل في عقلها وفي قلبها هموم العرب وقضاياهم وعلى رأسها قضية فلسطين، وهي التي حافظت على سخونة وحرارة هذه القضية كل هذه السنوات رغم تخلي معظم العرب عنها وغدر وتآمر بعض أصحاب القضية على سورية، وهي التي حملت قضية الشعب الفلسطيني المقهور إلى كل منابر العالم واستجلبت لها الاعتراف والدعم والتأييد الدولي في الوقت الذي كان فيه بعض العرب مشغولين في تسديد سهامهم الحاقدة والغادرة إلى جسد سورية. وسورية اليوم رغم نزف جراحها ما تزال الحضن الدافئ لكل أشكال المقاومة السياسية والعسكرية ضد المشروع الصهيوني وما يتصل به من مشاريع استعمارية غربية، وهذا ما يفسر شدة الحرب ضدها وقسوة التآمر عليها من قبل الغرب وأدواته الإقليمية والعربية، إذ لولا سورية المقاومة وبعض الحلفاء والشرفاء الذين يقفون إلى جانبها لما بقي هناك عروبة ولاعرب، ولنسي الأعراب والعالم فلسطين وكل ما يتعلق بها، ولساد الزمن الصهيوأميركي كل المنطقة. |
|