تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الصهيونية الجديدة وحربها الثالثة على الفلسطينيين

شؤون سياسية
الأثنين 27/10/2008
توفيق جراد

منذ الخروج الإسرائيلي من قطاع غزة في أيلول عام 2005, تنفيذاً لخطة رئيس الوزراء ارييل شارون, القاضية ب الانفصال عن الفلسطينيين,

وهي في جوهرها حل ديموغرافي للمسألة الأمنية , مع أنها من منظور آخر خطوة لالحفاظ على يهودية الدولة العبرية , شهد الكيان الإسرائيلي تعاظم تيار جديد متطرف أطلق على نفسه اسم )الصهيونية الجديدة المقاتلة (انظر- بول ريموند- الغارديان 16/10/2008). ويعتبر المستوطنون الذين كانوا في القطاع أو الموجودين في الضفة الغربية إضافة إلى المتزمتين من المتدينين الصهاينة وغلاة التطرف في الأحزاب الإسرائيلية التي ترى في فلسطين أرضاً إسرائيلية , وترى في الضفة الغربية أرضاً يهودية والفلسطينيين فيها سكاناً مؤقتين , قوام هذا التيار الذي تقول الغارديان إنه أخذ على عاتقه إرهاب الفلسطينيين terrorising palestinians, ومن سماهم اليسار الإسرائيلي, الذين يمثلهم البروفسور زئيف شتيرنهيل الذي نجا مؤخراً من محاولة اغتيال, والسلطات الإسرائيلية التي لا تساندهم, حسب زعيم للمستوطنين ظهر في الضفة الغربية مؤخراً ويدعى دانيلا فايس Daniela weiss إن كان هناك سلطات ينطبق عليها هذا الوصف, هم المستوطنون ويتصدرهم المقيمون منهم في المستوطنات العشوائية أو غير القانونية التي أقيمت منذ عام 2001, حسب المفهوم الأميركي, أو هم أولئك الذين دعاهم شارون إلى احتلال رؤوس الجبال .‏

وإذا كان هذا التيار قد عرف في الضفة الغربية في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي باسم )الجماعة اليهودية( المتطرفة التي أخذت على عاتقها محاولة اغتيال رئيس بلدية نابلس والبيرة بسام الشكعة وإبراهيم الطويل, وإليها ينتمي باروخ غولدشتاين صاحب مجزرة الحرم الإبراهيمي في شباط 1994, فإن الحياة دبت مجدداً في عروق هذه الحركة بعد فعل الندامة الذي تلاه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنصرف إيهود أولمرت في أيلول الماضي ودعا فيه الإسرائيليين إلى التخلي عن الطوباوية الصهيونية zionist utopia بشأن إسرائيل الكبرى التي قال إن حلم تحقيقها قد انتهى. وإذا كان الخروج من غزة بداية انهيار هذا الحلم, فقد عمد أولمرت إلى السعي فراراً من هذا الحلم يوم وضع خطة الانطواء للخروج من مجموعة مستوطنات في شمال الضفة, لكنه اضطر للتراجع عن تلك الخطوة لأنه لا يستطيع تحمل هزيمتين في آن معاً: عقائدية في فلسطين, وأخرى عسكرية في لبنان أثناء حرب تموز عام 2006.‏

الحرب التي تخوضها الصهيونية الجديدة المقاتلة , والتي أطلق عليها الحرب المتنقلة , على حد وصف صحيفة يديعوت أحرونوت 19/10/2008, ناقلة معها عدوى الأحداث من عكا إلى يافا واللد والرملة وأخيراً القدس, و التي شهدت أول عملية ذبح لفلسطيني في شارع الأنبياء في القطاع الغربي من المدينة في سياق أكبر عملية تهويد تتعرض إليها, وكل ذلك تحت سمع وبصر السلطات الإسرائيلية, فإن نفتالي رزونكوفيتش الناطق باسم جماعة أومتس اليهودية الصهيونية المتطرفة يصفها وهو يستقبل قوافل المتدينين القادمين من مختلف أنحاء الكيان الصهيوني باتجاه عكا التي تنتاب مواطنيها الفلسطينيين حالة من القلق, مع عيد المظلة أو العرش سوكوت وخاصة أن الأعياد الدينية عند اليهود تعتبر مناسبة لإظهار ما يعتلج في نفوسهم من تراث عنصري بالعدوان على كل من هو ليس من ملتهم,... بأنها صراع ليس محدوداً, إنه صراع على عكا والجليل ومختلف أرجاء أرض إسرائيل (عرب48- 19/10/2008).‏

أما القدس التي تشهد أكبر عملية تغيير ديموغرافي منذ العام 1967, فإنها تتعرض وبقية أراضي الضفة الغربية, ومنذ مؤتمر أنابوليس الذي عقد في تشرين الثاني 2007, إلى مجزرة ديموغرافية تشهد عليها ما ذكرته دائرة شؤون المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية عن أن وزارة الإسكان الإسرائيلية أصدرت جملة قرارات للشروع في عمليات البناء لإقامة 4486 وحدة استيطانية منها 92 وحدة في منطقة القدس التي يقول مدير عام مؤسسة الحق إن أكثر من27 ألف منزل عربي فيها مهدد بالهدم. هذا في الوقت الذي يجري فيه حفر ثلاثة أنفاق تحت البلدة القديمة في سلوان الواقعة عند الطرف الجنوبي الشرقي من السور الجنوبي للبلدة القديمة من القدس, وصولاً إلى حارة باب المغاربة المجاورة للمسجد الأقصى (د.أسعد عبد الرحمن-تهويد القدس...إلى أين? الاتحاد الإماراتية 17/10/2008).‏

ولعل أخطر ما تتعرض إليه القدس ليس اقتحام 135 عنصرياً باحة الأقصى يوم 19/10/2008 بل هو تداعيات افتتاح رسمي لكنيس يهودي يوم 12 تشرين الأول عام 2008 أقيم على أرض وقف إسلامي (حمام العين) الذي يبعد بضع عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى من جهة الجدار الغربي للمسجد. وخطورة هذا الكنيس, الذي أطلق عليه خيمة إسحاق تكمن في ارتباطه بشبكة أنفاق وحفريات تحت وفي محيط المسجد الأقصى حيث تتواصل الحفريات في 18 موقعاً في مختلف جهات المسجد وأسفله, ومن أخطر تلك الحفريات ما يسمى الطريق الهيرودوتي (نسبة إلى هيرودوس) والذي يمتد بطول 600 متر ويربط ساحة البراق بالمدخل الجنوبي لمدينة داوود (البلدة القديمة من سلوان) (انظر- أحمد يوسف القرعي- الأهرام 16/10/2008).‏

لقد أدركت إسرائيل أن مدينة القدس هي عنوان القضية الفلسطينية. ومن يتوقف عند ما يجري في القدس يتضح أمامه أبعاد المشروع الصهيوني الذي بدأه مؤسسه تيودور هيرتسل, مؤسس الحركة الصهيونية, في المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا 1897 حين قال: إذا حصلنا يوماً على القدس, وكنت لا أزال على قيد الحياة وقادراً على القيام بأي شيء, فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أدمر الآثار التي مرت عليها القرون .‏

وهناك من ينظر إلى هذه الأحداث بأنها مكافأة إسرائيلية لوعد مشؤوم لقادة العدو بإسقاط حق العودة لخمسة ملايين فلسطيني إلى ديارهم حتى لا يهددوا مستقبل )الدولة الإسرائيلية , في وقت يتعرض فيه الفلسطينيون إلى مخطط طرد وتهجير من داخل الأرض المحتلة عام 1948 لتنفيذ مشروع الدولة اليهودية الذي وعد به الرئيس الأميركي جورج بوش (محمد السعيد إدريس -الخليج- 18/10/2008).‏

هذه الحقائق تدعو الإسرائيليين إلى الخشية مما يسمونه حرب اللحظة الأخيرة(, بينما يتحدث قادتهم عن حرب داخلية, يقصدون بها الانتفاضة الثالثة . ولمصطلح الانتفاضة وقع عند الإسرائيليين كما وقع الرحى على عنق الاقتصاد الإسرائيلي. ولما تركته الانتفاضتان الأولى والثانية من أثر عميق على مختلف مجالات الحياة في المجتمع الإسرائيلي. وخاصة الاقتصادي الذي عصفت به الانتفاضة وأدخلته في حالة من الركود لم يألفها من قبل, وفي حالة من الاستنفار والخشية والترقب لم يعرف الإسرائيليون لها مثيلاً منذ قيام الكيان الصهيوني في فلسطين .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية