تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لنستعدّ.. فالرأسمالية تموت!!

هآرتس- 16/10/2008
ترجمة
الأثنين 27/10/2008
ترجمة :أ. أبو هدبة

هل ماتت الرأسمالية أم أنها ستستمر بالعيش?., أمريكا ذهبت. أمريكا تنتعش. هناك حاجة للمزيد من التدخل المركزي. هذا لن يساعد في شيء. هل اخطأ نتنياهو أم انه كان محقاً? .

وهل الان هو الوقت الملائم للشراء. لا, يجب الانتظار. البورصة ستواصل انهيارها. وصلنا الى قعر هذه البورصة وألان ستعلو من جديد. التردي الذي حصل في عام 1929 يتكرر وعما قريب ستندلع حرب عالمية. الحكومات في هذه المرة أكثر تنظيماً ولن تسمح بحدوث ذلك.هذا نموذجٌ صغيرٌ فقط من التحليلات والتوقعات المتناقضة التي ترافق الأزمة المالية العالمية في الأسابيع الأخيرة. من الممكن ان نفهم منها ان الأشخاص الذين يكتبونها قد قرؤوا كتب التاريخ, إلا أنهم لا يعرفون متى وكيف ستنتهي الأزمة. هذه التوقعات تعبر أكثر من أي شيء آخرعن القلق الشديد والبلبلة الكبيرة التي أحدثها الانهيار في الأسواق.‏

كل توقع للمستقبل يتوقف على حرية الهياكل والبنى بناء على ما حدث في الماضي, ومحاولة استخلاص العبرة منها عما سيحدث. ولكن الواقع ينطوي على صدف وهو دائما يحمل المفاجآت في رحمه. هذه مشكلة الاستنباط التي شغلت بال الفلاسفة: ان كانت الشمس تشرق حتى اليوم كل صباح فهل يمكننا الافتراض بصورة مؤكدة أنها ستشرق غداً أيضا? هذا السؤال هو أساس فهم الأزمة المالية أو المفاجآت السياسية والاستراتيجية مثل حرب يوم الغفران وعمليات الحادي عشر من أيلول 2001 وحرب لبنان الثانية.كل مجموعة بشرية تختص بصنع القرارات تقوم بمطابقة التوقعات مع الوقائع, والسوق الاقتصادية هي آلية لملائمة توقعات المشترين والبائعين من خلال تحديد سعر لكل عقار ومنتوج. هكذا هو الحال في سوق الكرمل وكذلك في وول ستريت. نهج التمويل يبدو علمياً وأكثر جدية من التقديرات الاستخبارية, مثلا, لأنها تركز على الأرقام وتقوم على النماذج الرياضية. ولكن في آخر المطاف يحاول النموذج المالي الأكثر رقياً تخمين المستقبل وفقا للماضي. هذا الأمر ينجح أغلبية الأحيان والأسواق تتحرك نحو الأعلى والأسفل باعتدال. نفس الشيء يقال عن الاستخبارات: ليست هناك حرب دائمة تقريبا والتقديم الذي يطمئن الخواطر محق.‏

المشكلة تكمن في التطورات ذات الاحتمالية المتدنية وشبه المعدومة. هناك في أطراف المنحنى تكمن المفاجآت ونقاط الانعطاف التاريخية. حينئذ تظهر الحاجة للقيادة وللقرارات. وبعد كل مفاجأة يظهر دائماً شخص على شاكلة الضابط سيمان طوف الذي حذر من الحرب ولم يصغوا له. هذا تعبير آخر عن الميل الإنساني لتنظيم الواقع على أساس بنى معروفة.و يسهل في وقت متأخر تشخيص المؤشرات المسبقة والمجريات التي قادت للازمة وأسباب الحرب والذكي الذي باع أسهمه قبل الانهيار بلحظة. عندما تكون النتيجة معروفة يبدو السبب أيضا مسألة بديهية.وسائل الأعلام تميل الى تعميق وتضخيم التوقعات والتفسيرات التي يزداد الطلب عليها في ألازمات والمحن. قبل ثلاثة اشهر فقط على خلفية ارتفاع حاد في أسعار النفط والأرز والذره غرقت صحف الغرب في موجة من التوقعات السوداوية. الخبراء أوضحوا ان الهنود والصينيين يرغبون في السفر على متن سيارات خاصة واكل الطعام على الطراز الأمريكي الغني بالسعيرات الحرارية, ولذلك هناك نقص. كتبوا انه بعد 200 عام تبين صدق ما قاله توماس ملتوس الخبير الاقتصادي البريطاني الذي قدر بان انتاج الغذاء سيتخلف عن التكاثر السكاني. توقعوا حروباً حول السيطرة على المواسم. كبار المستثمرين انقضوا على طاقات الرياح والشمس كبديل لطاقة النفط التي توشك ان تتلاشى. وتحدثوا في امريكا عن نهاية حضارة الأرياف بسبب أسعار البنزين العالية والانتقال مرة أخرى للمدن المكتظة التي تتطلب الكثير من المواصلات العامة.‏

الصيف ولى وأسعار المواد الخام هبطت مرة أخرى وصلت الى مستواها قبل عام وتلاشت معها كل التفسيرات المتفذلكة. ما الذي حدث? الصينيون والهنود عادوا للسفر على متن الدراجات الهوائية والعربات? تنازلوا عن اللحم والحليب? وهل توقف الأمريكيون عن سياقة السيارات? أم ان الأسعار كانت مضخمة بسبب تلاعب الاستثمارات كالمراهنة على أسعار البضائع وما ان أغلقت خطوط الاعتمادات حتى اختفى معها أيضا المراهنون وهدأت الأسواق? من الصعب ان نعرف الجواب لأن الخبراء والمحللين انتقلوا الى تحليل ألازمة في البورصة وانهيار البنوك وتوقفوا عن الاهتمام بالأرز والقمح. العبرة من أزمة الغذاء التي لم تحدث هي ان من الواجب التعامل بحذر مع كل توقع وتحليل. لا أحد يعرف ما الذي سيحدث ومتى ستعود البورصات للارتفاع وما هو الوقت الملائم لشراء العقارات ومتى سيهاجم حزب الله إسرائيل. كل توقع وتنبؤ يعتمد على تحليل الماضي مهما بلغت دقته يمكنه فقط ان يقلص حالة الإبهام لا ان يزيلها تماما. الأمر الوحيد الذي يمكن قوله بثقة هو ان المفاجآت التي لا يمكن الاستعداد لها ستحدث في المستقبل أيضا وحينئذ أيضا سيجدون لها تفسيرات بديهية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية