|
آراء منذ نصف قرن أو يزيد تخرجت من المعهد العالي للمعلمين , أنت وحفنة صغيرة جداً من زملائك, ووصفك أساتذتك آنذاك بالمتخرج اللامع, ونقل; أستاذك, وهو في الوقت نفسه المدير العام للآثار والمتاحف , من وزارة التربية إلى مديريته, وعملت معه في الميدان الأثري في جميع أنحاد القطر العربي السوري, وكنت مسؤولاً عن جميع البعثات الأثرية العاملة في سورية . بعد فترة قصيرة استوعبت هذا العلم الفريد في العالم كله, بل انك تفوقت على جميع رؤساء البعثات الاجنبية, وكانوا يستشيرونك في الكثير من الأمور الأثرية, إذ كانت لك نظرة شاملة على كل المواقع, فضلاً عن ثقافتك التي كونتها, وقد يكون أندريه بارو وكلود شيفر وأنطون مورنغات وباولوماتييه خبراء في مواقعهم, لكن معلوماتك عن حضارة هذا القطر المجيد كانت تنقصهم ويعودون إليك لتوضيحها وتربطها ببعضها البعض. وضعت الكتب ودبحت المقالات باللغات الاجنبية, ونشرت في اختصاصيات هذا العلم, وتناقلها علماء الآثار في كل أطراف المعمورة . سافرت إلى مئات المؤتمرات الدولية وعرفت العالم كله بحضارة أصيلة في سورية: وليست ملتقى حضارات, وقبل أن تكتشف إيبلا. لقد أكدت نظريتك التي دافعت عنها دفاع المستميت... إلى أن احترمك الأعداء قبل الأصدقاء, وطالما حكيت لي, بشكل خاص, ما كان يجري في كواليس الاعداء, وخاصة حين اكتشفت لوحات إيبلا المسمارية, وحاول البعض تفسيرها كما يريدون. وأخيراً اعترف الجميع بأن: الحصان لا يوضع خلف العربة كما قلت في مؤتمر أثري عالمي. استقبلك الملوك والملكات والرؤساء, وهم الذين قلدوك أوسمتك الثمانية, واستقبلوك بعد التقليد وتشعب الحديث, وأنا أعلم كيف عرضوا عليك العمل في جامعاتهم وفي اليونيسكو بعد أن أحلت على التقاعد. ولا أزال أذكر لك كلمتك أمام أحد الرؤساء حين قلت: لي علم واحد وبلد واحد وزوجة واحدة... حين بلغت الستين من عمرك, كتب أساطين علماء الآثار كتاباً ضم مكتشفاتهم الأخيرة وأبحاثهم العتيدة, وأهدوها لك, وتلك مكرمة قلما ينالها سوى العلماء على مستوى العالم. في مؤتمر دولي, وحين تكلم علماء الآثار وصفق الحضور لهم, كان التصفيق لكلمتك يزيد دقائق, وانتبه الجميع إلى ذلك وكان ذلك تكريماً لمكانتك الدولية في علمك وعملك وتمثيلك لبلدك مصدر الحضارات. رحلت يا عدنان البني بعد أيام من رحيل عالم الفكر الدكتور عبد الكريم اليافي, وبعد أيام أيضاً من رحيل أستاذنا الدكتور عبد الله عبد الدايم, فهل كنتم على موعد. ستبقى يا عدنان, ولو رحلت: ستبقى ذكراك يا عدنان ما دامت هذه الأرض الطيبة, العريقة تكشف عن كنوزها الحضارية ومكنوناتها الرائعة. ماذا أكتب في رحيلك?! القلم يعجز, وأنا أبكيك بحرقة, فهل تعلم ذلك? كنت تنعتني بالصديق الوفي, هي يوم أكثر من وفائك لهذا البلد وأهله, وكل الدنيا التي تعرفك وكانت تتمناك أن تكون من أهلها. كرمك نادي الخريجين في حمص بلدك الحبيب عليك, وقد كتبت عنه, ما لم يكتبه غيرك. سوف أفتقدك, ولكن تدمر التي بقيت تدرس آثارها أكثر من ثلث قرن, ستذكرك أكثر مني طالما بقي عمود واحد قائم فيها. ومعبد نبو الذي طمر مئات السنين, سوف يتحدث عنك لأنك أعدت له الحياة والوجود. وإن كتاباتك عن عروس البادية ستبقى خالدة خلود الدهر. إن حجارة تدمر تتحدث عنك فكيف زملاؤك وأصحابك وعارفوك ومعترفو فضلك وكرمك. تلك هي سنة الحياة يا عدنان, إنما كنت أريدك أن تعطي أكثر وأكثر, وما باليد حيلة, لو استشهدت حين وقعت عليك حجارة قبر تدمر لكنا دفناك إلى جانب القبر ولأصبحت تزار كما تزار قبور رؤساء تدمر... إلى اللقاء يا عدنان , فقد سبقت بعض زملائك, وسبقك زملاء آخرون, وارقد بسلام, فقد أوفيت ووفيت ولم تتوقف عن الفكر حتى آخر أيامك. كتبك سوف تذكرك كل يوم, ومن بقي من عارفيك لن ينسوك. أسكنك الله فسيح جنانه |
|