تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من تاريخنا

آراء
الأثنين 27/10/2008
جلال خير بك

انتجت سينما الغرب, وتحديدا الأمريكية منها : الكثير من الأفلام التاريخية .. وكانت أفلام (هنيبعل أو هانيبال )

في جملة تلك الأفلام التي تحدثت عن حياته وحروبه مع روما هذه الامبراطورية الشاسعة التي استعبدت كثيرا من شعوب الأرض على مر تاريخ قياصرتها.‏

وجاء من ضمن ذلك الانتاج بعض أفلام (الأكشن)العصرية !!! التي استغلت اسم هنيبعل ولو باللفظ, وهي من النوع الهابط الذي لا يمت مضمونه وطبيعته : بأي صلة لهذا القائد الكبير (فجاء هنيبعلهم ! ) هذا : رجلا عصريا وجاسوسا تارة أو قاتلا مأجورا تارة أخرى يعمل لدى الآخرين فيقتل هذا وذاك بمسدسه الذي لا تنتهي طلقاته !! .. أو يصطاد بعض الشخصيات الوطنية التي يراد التخلص منها !!‏

و(هاني بعل -هنيبعل ) كما هو معروف : من أسرة ذات أصل ومنشأ سوري .. إذ رافق أهله : الأميرة (أليسار )أخت ملك صور : حينما غادرت شواطئنا بسفنها وكنوزها ورجالها ..وأبحرت حتى رست على الرأس التونسي في شمال افريقية لتبدأ الخطوات الأولى في تأسيس مدينة (قرطاجة -أو قرطاج) التي أصبحت ذات شأن عظيم وطغت باسمها على كل المدن حتى كادت أن تلغي روما بعد أن وصلها القائد القرطاجي بحملته المشهورة وجنوده الذين أحرزوا النصر بعد الآخر .‏

وإذا كانت حروب قرطاج مع الرومان : هي جزء من المسألة الشرقية فقد جاءت الحملة القرطاجية بقيادة هنيبعل : ردا على مظالم روما على ما أذاق قياصرتها مختلف شعوب العالم المعروف آنذاك : من عسف وطغيان واستغلال ..‏

وجاءت بالمحصلة, عملية استرداد كرامةبل دفاعا عن الكرامة. ولئن كان هنيبعل قد تعرض في أواخر هذه الحملة المشهورة وهو على أبواب روما : للخذلان إذ غدر به مجلس شيوخ قرطاجة الذي كان تجارها يسيطرون عليه ...فلم يقدموا له يد العون والمدد اللازم من المال والرجال وخصوصا المال: لئن كان كذلك فإن المسألة القرطاجية لم تسىء لهنيبهل بل وضعته في أعلى مكان من مصاف العظماء والقادة الأفذاذ الذين قلما يجود بهم التاريخ .. وظلت كلماته ونصائحه لشيوخ قرطاج : صوتا يدوي عبر التاريخ ونذيرا لم يستطيعوا الاستفادة منه, فوصلوا -كما قال لهم - إلى ما وصلوا إليه بعده : من قتل وتدمير في المرة الأولى وإلى إحراق قرطاجة وتدميرها نهائيا في المرة الثانية وبقيت الامبراطورية الرومانية, أشرس عدو تواجهه هذه المدينة الباسلة التي أوصلت هنيبعل وأوصلت نفسها إلى أسوأ مأساة قلما عرف التاريخ أفظع منها .‏

وفي مسيرة هذا القائد التي مجدها الرومان وخاصة القائد(سيبيون )الذي انتصر عليه : ما يجعل هنيبعل علما عظيما من أعلام التاريخ حتى عده المؤرخون أعظم قائد عسكري شهدته تلك الحقبة أو غيرها .. بل أعظم القادة أخلاقا واستقامة وبعد نظر وعبقرية عسكرية لانظير لها : الأمر الذي يربأ به عن استغلال السينما الغربية لاسمه فتطلقه على (الأبطال ) أفلامها البوليسية الهابطة!‏

إن (هنيبعل ) وقبله والده »هملقارت ) ومجد قرطاجة تاليا : جزء من تراثنا وبريقا ساطعا يجب الحفاظ عليه والتصدي للآلة السينمائية الغربية »الأمريكية ) التي تسيء لاسمه حين تطلقه على قاتل مأجور! فتسيء بالتالي إلى جزء من تاريخنا نعتز به عندما قام السيد محمد مصطفى ميرو (رئيس مجلس الوزراء الأسبق ) بزيارة إلى تونس ترأس خلالها الجانب السوري لاجتماعات اللجنة العليا المشتركة بين البلدين الشقيقين : كنت في الوفد الإعلامي الذي رافقه .وحينما تجول في متحف تونس وكنا معه, قلت له : إن آثار قرطاج تكاد تكون المتحف كله ! ولما عدنا إلى دمشق كتبت في هذه الصحيفة »الثورة) مقالة عنوانها : »سورية في تونس)!إن الفنانين العرب مطالبون بالتصدي لمثل ما قامت به السينما الأمريكية فأساءت لشخص عظيم من تراثنا الغني .. ويستغرب المرء أننا لا نقوم بإنتاج أفلام عن أعلامنا كي نوفيهم حقهم. لقد ظل المرحوم مصطفى العقاد بيننا زمنا طويلا فما طلب منه أحد أن ينجز فيلما من هذا النوع رغم تجاربه السابقة الناجحة في فيلمي »الرسالة - عمر المختار ) .. فحري بنا أن نقدم نحن أعلامنا وأبطالنا بدل أن نترك ذلك للسينما الأجنبية »الأمريكية ) التي لاتقدم الأفلام إلا من منظورها المعروف !! وتستغل أسماء شخصياتنا في أعمالها الاستهلاكية الهابطة !!...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية