تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وصفة بسيطة .. ولكن!!

محطة
الأثنين 27/10/2008
د. خلف الجراد

كنتُ أحدِّث صديقاً مقرَّباً بشأن العمل وهمومه, ثم تفرّع الكلام وتشعب إلى قضايا العلاقات بين الناس, ومفاهيم القيم والمبادئ, والتشدّد والمرونة, و((يباسة الدماغ)).. واللين, وغير ذلك من مسائل يومية متكررة وحساسة في الوقت ذاته..

إلى أن وجّه لي الصديق سؤالاً لم يخطر ببالي من قبل, وهو: لماذا تقاوم إطارات السيارات الحفر والأحجار والزجاج المحطم على الطرقات و((المعوِّقات)) أو((المطبات)) العابرة أو المقصودة أو الاصطناعية...إلخ, دون أن تتشقق أو تتفجّر وتتوقف عن الحركة?!.‏

للرد على هذا السؤال غير المنتظر استجمعت ما أعرفه من معلومات بشأن طبيعة المطّاط, التي تصنع منه هذه الإطارات وغير ذلك من تفسيرات علمية معروفة, لكنّ صاحبي قال: كل هذا صحيح, إلا أننا نسينا تاريخ ظهور العجلات, وكيف أن مخترعيها ومصمميها الأوائل فكّروا في أنها يجب أن تكون شديدة الصلابة لتواجه عثرات الطريق ومشكلاته الصعبة, إلا أنهم فوجئوا بعدم قدرة هذه الإطارات على الحركة السريعة والصمود, حيث كانت تتحطم في أول ارتطامات بحفر أو نتؤات أرضية قاسية وحادة. فعادوا وفكروا وجرّبوا خيارات وبدائل عديدة, إلى أن توصلوا إلى صنع إطارات مجوّفة من المطاط اللين داخلياً وشديد المقاومة خارجياً, لتقوم بوظيفتها المحدّدة بشكل مرن وفعّال وعملي, وهي صفات أساسية تتنافس الشركات العالمية الكبرى المتخصصة لبلوغها, في صناعة إطارات السيارات العادية, وسيارات السباق الرياضية, وعجلات الطائرات.‏

وكان الصديق ينصحني باللين والمرونة في مواجهة الأمور والقضايا والأطروحات, التي تتناقض وتتصادم مع ما ترعرعنا عليه من مثل وقيم وأفكار ومواقف.. حتى أن مسألة التكيّف والمواءمة في هذا الشأن تتحول في مرات كثيرة إلى إشكاليات حقيقية ومآزق أخلاقية وسلوكية ونفسية معقدة.‏

وقد لفتني إلى دايل كارنيجي الذي أقتبسُ كثيراً من قصصه وحكاياته في ما أكتبه بشأن العلاقات الإنسانية وتكوين الصداقات والذي نقل إلى قارئيه تجربته الشخصية, عندما تعرضت بلدته الصغيرة بولاية ميسوري لعاصفة هوجاء ورياح عاتية, فشاهد بنفسه في هذه اللحظة الأشجار في حديقته المنزلية, وهي واقفة منتصبة تتحدى الريح الرهيبة فلم تستطع هذه الريح قلعها, لكنها حطمت جذوعها وأغصانها تحطيماً كاملاً (ربما كنوع من الردّ العنيف على عناد هذه الأشجار).. في حين أن الأمر كان مختلفاً بالنسبة إلى أشجار غابات كندا المخضرة, التي تنحني أمام الرياح القوية فتتمايل معها مؤقتاً إلى أن تمرّ وتذهب في سبيلها, والنتيجة أن هذه الأشجار تصمد وتبقى وتواصل حياتها الطبيعية, وتعطي إنتاجها المثمر المطلوب.‏

كما سألني صديقي ما إذا كنت أعرف شيئاً عن المصارعة اليابانية المعروفة باسم ((جوجستو)), ولما أجبته بالنفي, أشار إلى أن مدّرب هذه المصارعة يخاطب تلامذته بالقول: ((ليّنوا أجسامكم, أمام أخصامكم المصارعين, وانحنوا لضرباتهم كأغصان طرية, حتى تتمكنوا من غلبتهم.. بدلاً من أن تنتصبوا أمامهم كجذع شجرة البلوط, ومن ثم تغلبون على أمركم)).‏

وفي نهاية الحوار استذكرنا معاً تلك الحكمة العربية الرائعة, التي تعبّر ببضع كلمات فقط عن جوهر السلوك المتوازن في العلاقات الاجتماعية-الإنسانية الناجحة, والقائلة: ((لا تكن رطباً فتُعصَر ولا يابساً فتُكْسَر)).‏

حقاً إنها لوصفة بسيطة كما تبدو, ولكن هل نقدر على تطبيقها, والالتزام بها دائماً?!.. وهل هي فعّالة وصالحة لكل زمان ومكان وموقف?!.. هذا هو السؤال الجوهري..‏

وتلك هي المعادلة الصعبة ??‏

www.khalaf-aljarad.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية