|
الجولان في القلب وللتنور حكاية أخرى عند أم هواش فهي لم تستطع أن تنسى تنور الضيعة الذي يعني لها الكثير، وبذاكرتها صور كثيرة لم ولن يمحوها الزمن وهي ترى أن التنور ينبض بالحياة ويعبق بروح التراث ولا تنسى شكل التنور وألسنة النار التي تنتظر العجينة على عزف الحطب وتقول أم هواش إن التنور يخبئ أسرار الصنعة البدائية لخبز التنور. ولا تنسى أيام الحصاد وما يرافقها من مفهوم اجتماعي ينم عن التعاون، فمن ينته من الحصاد يستعد لمساعدة جاره الذي لم يبدأ العمل بعد، وتلك الأيام تعبّر أيضاً عن التكافل الاجتماعي فمن لم يزرع القمح يرسل له من زرع مؤنته وبالمقابل من لديه اللبن والجبن والزبدة يبادل بها بنوع آخر من السلع ليس موجوداً لديه. وتضيق أم هواش ذرعاً بالبناء الطابقي وتشبهه بحارة من الضيعة ولكن السكن فوق بعضه وتقول: أشعر بالضيق عندما أذهب لزيارة ابني وخاصة بتعلق أحفادي بي وطلبهم أن أبقى عندهم لعدة أيام، صدقوا أنني أعد الساعات كي تدور لأعود إلى بيتي الذي يشبه إلى حد ما سكن الضيعة بالفسحة السماوية والشبابيك العالية التي تدخل النور إلى الغرفة. وتقول أم هواش: إنه كلما تقدم بها العمر ازدادت ذكرياتها الحميمة عن قريتها وتردد دائماً عبارة، «بتمنى أرجع بأي لحظة وشوف بلدي» فالذكريات تتدفق والأمنيات لا تنقطع والأمل موجود بعودة الجولان الذي لا بد وأنه عائد. فهي لا تنسى لحظة شروق الشمس وتسلل خيوطها إلى غرفة نومها مع إخوتها وهي طفلة وعندها تقفز سريعاً وتذهب إلى والدتها المستيقظة باكراً وتستعد للذهاب إلى يوم السليق وترافق أمها وتجلس مع أطفال القرية تحت العرزال يأكلن خبز التنور مع الرشاد والبندورة وينتظرن الأهل قبل مغيب الشمس استعداداً للعودة إلى المنزل. وتقول أم هواش: كنت صغيرة لهذا لا أعمل وأجلس مع أولاد الجيران الذي يتقارب عمرهم مني ونلعب بالتراب ونجبله ونصنع ألعاباً وبيوتاً، وعندما أتذكر تلك الأيام أشعر بغصة وأروي لأحفادي لحظة السعادة التي رافقتني بأيام الطفولة والتي لم أتوقع يوماً أن تصبح ذكريات غالية، ومخزون الذاكرة الجولانية لا ينتهي ويبقى الجولان في القلب والعودة قريبة إن شاء الله. |
|