تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إنجازات الميدان وتخبط أطراف العدوان

شؤون سياسية
الثلاثاء 23-7-2013
بقلم: د . حسن أحمد حسن

من يتابع التصريحات المتناقضة لأطراف التآمر والعدوان على سورية يدرك عمق المأزق الذي يعيشه من انساق وراء الأوهام التي تم تصديرها على أنها في متناول اليد، وأن إسقاط الدولة السورية بجميع مكوناتها وعوامل قوتها مسألة وقت لا أكثر،

واستناداً إلى ذلك كانت تُضْرِبُ المواعيد التي تحدد إنجاز المهمة بالأسابيع والأشهر مما دفع بضعاف العقول وفاقدي البصيرة لمحاولة ركوب الموجة والانجراف في تيار المتورطين في حرب مركبة ضد سورية شعباً وجيشاً وقيادة.‏

لكن نتائج الميدان وتساقط أدوات المشروع التفتيتي أرغمت القادة والمأجورين بآن معاً على إعادة الحسابات، وأصبح الكابوس الذي يقض مضاجع أولئك جميعاً يتلخص في البحث عن مخرج يقلل من التداعيات الكارثية التي يحملها انتصار سورية على أصحاب مشروع « الصقيع العربي» وأدواتهم الداخلية والإقليمية والدولية، فعشرات آلاف الإرهابيين الذين تم تجميعهم وتدريبهم وتزويدهم بكل وسائل القتل والإبادة، وإمدادهم بما يلزم من دعم سياسي ودبلوماسي وإعلامي لم يستطع تحقيق أي هدف من الأهداف الاستراتيجية التي وضعت، لا بل إن التعثر والعجز عن تفتيت سورية أصبح يهدد وبشكل عملي ما تبقى من أحلام أصحاب الرؤوس الساخنة في واشنطن وتل أبيب ومن يدور في فلكهما المأفون، وأمام البون الشاسع بين المأمول والممكن لم يعد بمقدور المايسترو الأمريكي إلا المماطلة والتسويف وبيع الوعود حيناً، والمداورة والمناورة حيناً آخر، واستبدال من يجر عربة مشروعه المتداعي لعله يستطيع بذلك إيجاد مخرج يقربه إلى بصيص أمل مما تم الإعلان عنه من أهداف تكتيكية على أقل تقدير، بعد التيقن من العجز المطلق عن تحقيق أيّ من الأهداف الاستراتيجية، وهنا يكمن سر التناقض في المواقف والتصريحات الغربية والأمريكية التي غاب عنها في الآونة الأخيرة أي حديث عن «إسقاط النظام» في سورية، وذلك بالتزامن مع سقوط أكثر المتورطين بسفك الدم السوري، وظهور العديد من الدلائل التي تشير بوضوح إلى أن نصيب من تبقى من أدوات عثمانية أو أعرابية وما شابهها لن يكون بأفضل من مصير مرسي الإخوان في مصر والحمدين المخلوعين في قطر، ولم يبقِ لدى إدارة أوباما ما تراهن عليه سوى التلويح بإطالة أمد المواجهة المفتوحة وما يعنيه ذلك من استمرار نزيف الدم السوري وتقويض عوامل قوة الدولة السورية المتمسكة بمقومات السيادة والكرامة وقطع الطريق على قوى البغي والاستكبار التي هالها الصمود السوري على امتداد ما يزيد على سبعة وعشرين شهراً، وهذا ما شكل المقدمة الموضوعية الضرورية لتصدع أطراف التآمر والعدوان وسقوط أهم الروافع والحوامل الخاصة بالمشروع الاستعماري الجديد عبر ما يلي:‏

سقوط الرافعة الإعلامية، فجميع استطلاعات الرأي التي أجريت تؤكد التراجع غير المسبوق في عدد المشاهدين والمتابعين لقناتي الجزيرة والعربية، وهما أهم قناتين فضائيتين متخصصتين بتغطية الجوانب السياسية في المنطقة، وعلى الرغم من الفروق الكبيرة في الإمكانات المادية والبشرية إلا أن الإعلام الوطني السوري استطاع أن يعري تلك القناتين وعشرات القنوات الأخرى الشريكة في سفك الدم السوري، وأن يثبت حضوراً ومصداقية جعلته المرجع الفيصل في عرض حقيقة ما يجري على أرض الواقع.‏

سقوط الحامل العسكري بشقيه الخارجي والداخلي، فالتدخل العسكري الخارجي تبين أنه وهم لأسباب متعددة ذاتية وموضوعية، والإرهاب الذي تمت رعايته وضخه في سورية يلفظ أنفاسه الأخيرة بفضل تضحيات وبطولات رجال الجيش العربي السوري وإنجازاته الميدانية اليومية التي قصمت ظهر الجسد المسلح على اختلاف تسمياته ومرجعياته، وأظهرت المسلحين المأجورين على حقيقتهم التي تؤكد انضواءهم جميعاً تحت عنوان الإرهاب المرفوض بجميع أشكاله وألوانه بغض النظر عن التسميات التي أخفقت ولن تفلح قط في شرعنة الإرهاب المرفوض جملة وتفصيلاً.‏

التبدل النوعي في الحامل الاجتماعي، وهذا ما تبلور بوضوح في الأشهر القليلة الأخيرة حيث حوِّلت الممارسات الإرهابية والاعتداء على الأعراض والإرهاب الممنهج الذي مارسته عصابات القتل والإجرام القسم الأكبر مما يمكن تسميته من “بيئة حاضنة بالإكراه” جراء الخوف على الحياة والممتلكات والأعراض إلى بيئة “نابذة بالضرورة”، إلى جانب وجود مساحات جغرافية واسعة لم يقبل أهلها بوجود المسلحين أساساً، ولا أدل عل ذلك من إصرار أهالي رأس العين والمناطق المحيطة بها في الحسكة على التصدي لإجرام جبهة النصرة وطردهم إلى الحدود التركية، وهذا ما أضاف توترات جديدة زادت مأزق حكومة أردوغان ضيقاً وحرجاً، وهي تواجه مداً شعبياً غير مسبوق في رفضه لسياسة أردوغان العدائية ضد الشعب السوري.‏

التغيرات الدراماتيكية في البيئة الإقليمية بعد خلع رأس الحربة القطري ورئيس وزرائه وقدرة الشعب العربي المصري من استعادة زخم الثورة الحقيقية التي صادرها الإخوان المسلمون، فالإخفاق المدوي لتجربة لإسلام السياسي وما أفرزه وصول الإخوان إلى السلطة في مصر في غضون عام واحد رسخ القناعة بعقم المراهنة على “أخونة المنطقة” لأن التفكير الإقصائي والإلغائي وتسخير مقومات الدولة لصالح مشروع الخلافة المأمولة أفقد الجميع الثقة بالإخوان وطروحاتهم السياسية العجزة عن تجسيد أي مشروع وطني، وهذا ما ستتردد أصداؤه في أكثر من مكان بدءاً بتركيا وليس انتهاء بتونس وليبيا وغيرهما.‏

نتائج المواجهات الميدانية والانتصارات المتتالية التي يحققها رجال الجيش العربي السوري وعلى امتداد الجغرافيا السورية، واليقين التام بعجز الإرهاب المنظم الذي تم تجميعه في سورية عن إنجاز أي شيء يمكن البناء عليه هو ما دفع أشد الأطراف حماسة للتسليح إلى إطلاق تصريحات جديدة، فها هي واشنطن تتخلى عن تدريب عصابات القتل والإجرام، وها هي بريطانيا وفرنسا تعلنان تنصلهما من تسليح من قد يحول البندقية من كتف إلى آخر في أي وقت، مع العرض أن التسليح لم يتوقف يوماً، والعصابات الإرهابية لديها كل أنواع السلاح، لكن امتلاك وسائل القتل والتدمير شيء والقدرة على الإنجاز في الميدان شيء آخر.‏

من كل ما تقدم يتبين أن التهويل بوصول أسلحة فتاكة إلى أيدي المسلحين، وأن النتائج ستظهر في الساعات القليلة القادمة ليس أكثر من حقن معنوية لتخفيف تسارع الانهيارات المتنقلة في صفوف جبهة النصرة وشقيقاتها من تنظيمات إرهابية وعصابات قتل وإجرام تتداعى بالجملة والمفرق تحت أقدام رجال الجيش العربي السوري، وإذا كان هناك من يفكر في تسخين الأجواء لتمرير ما تم الاتفاق عليه بهدف تصفية القضية الفلسطينية بعد جولة كيري وتعنت نتنياهو وإذعان السلطة الفلسطينية فالنتائج التي تفرزها ميادين المواجهة اليومية في سورية وغيرها كفيلة بإيصال رسائل مزعجة لا يود أصحاب الرؤوس الحامية في واشنطن وتل أبيب سماعها، لكنها تفرض ذاتها وحضورها بقوة وفاعلية تبشران بدق المسمار الأخير في نعش المشروع التفتيتي الذي يستهدف جميع دول المنطقة دونما استثناء.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية