|
الافتتاحيــة لكن الغربال الأوروبي هذه المرة بدا أكثر اتساعاً من حاجة الأوروبيين، وبما يسمح لأصابع أخرى أن تكون شريكة مباشرة مع الأصابع الإسرائيلية، حيث اختلط عليهم الأمر، فقدموا مقاربة مبتورة، ولم تتمكن القارة العجوز من التفريق بين ما يخدم مصالحها وما تمليه عليها الإيماءات الإسرائيلية والإيحاءات الأميركية وبينهما كانت لغة التشجيع من الأعراب ورموزها في الداخل اللبناني. ولم يكتفِ الاوروبيون بالمغالطة في التصنيف الذي طال حزب الله فحسب، بل أيضا في تبرير الحالة حيث جاءت الذريعة أكثر قبحاً من القرار ذاته، وعاد الخطاب الأوروبي إلى اجترار موقف بائس يعبر إلى حد بعيد عن الحال الأوروبية الأشد بؤساً في هذه المرحلة، وهي تبحث لها عن موقع داخل العربة الأميركية المتدحرجة على مسرح العلاقات الدولية. ليس من الصعب تلمس الأصابع الإسرائيلية الواضحة في القرار الأوروبي، وقد عبّر الإسرائيليون صراحة عن ذلك، وبالقدر ذاته أيضاً لم يكن من العسير مشاهدة الدور الواضح لمتزعمي محفل الإرهاب العالمي ومجسماته في بعض القوى اللبنانية في القرار ذاته كمحاولة محمومة لإبعاد حزب الله عن الواجهة السياسية الداخلية، ووضع فيتو سياسي على مشاركته في الحكومة اللبنانية العتيدة. قد لا نضيف الكثير من خلال التركيز على الدور الإسرائيلي وهو الذي يحاول ذلك منذ سنوات عديدة، ولم تكن هناك مفاجآت حقيقية في الدور الذي لعبته مواقف بعض القوى الداخلية اللبنانية المدعومة من السعودية، وهي التي مافتئت تفصح مراراً وتكراراً عن تشابك أصابعها مع الأصابع الإسرائيلية، في تحبير القرار الأوروبي بعد أن تقاطعت مصالحها مع المصلحة الإسرائيلية ليس في لبنان فحسب، بل على مستوى المنطقة، وربما باتت جزءاً من تركيبة تلك المصالح وخادماً أميناً لها، خصوصاً في الفترة الأخيرة. لكن على المقلب الآخر يبدو في غاية الأهمية التوقف عند التورط الأوروبي وأسبابه ودوافعه رغم الوضوح الظاهر في ذرائعه، وهي تحاكي واقعاً غربياً فرض نمطية من السلوك المحابي لإسرائيل بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات، خصوصاً في هذه المرحلة التي تشهد تنامياً صريحاً في المواجهة المفتوحة بين محور المقاومة وأدوات المصالح الغربية وحماة الأطماع الإسرائيلية من الأعراب والقوى الأجيرة لها في لبنان وغيره. فأوروبا التي تبحث عن الزوايا المهملة كعادتها على الساحة الدولية في ظل الاستباحة الأميركية لدورها وانكفاء حضورها في موازين القوى الدولية، أوروبا هذه، أرادت أن تقدم جائزة الترضية الجديدة للأميركيين في التوكيل الذي تعمل من أجل الحصول عليه، ولا سيما بعدما فشلت في التفويض الأميركي الممنوح لها في أزمات المنطقة وتفاقم المأزق الأوروبي بعد العجز عن تسويق مشروعها الخاص الذي تبنته نيابة عن الأميركيين!! على هذه القاعدة كانت بريطانيا وفرنسا وألمانيا تريد أن تقدم انجازاً سياسياً تعوض فيه ذلك الفشل الأوروبي وتغطي على هذا العجز، فأقدمت على قرارها المتسرع في فجور سياسي يتناغم مع المسعى الإسرائيلي ويرضي السيد الأميركي دون أن تدرس العواقب المترتبة عليه، وفي توقيت لا يمكن لأي مراقب أن تفوته فرصة المقارنة والتدقيق فيه، حيث المنطقة برمتها تغلي على فوهة بركان يمكن لحممه أن تنطلق في أي لحظة. ربما أرضت أوروبا بقرارها إسرائيل لبعض الوقت وأفرحت واشنطن أيضاً لبعض الوقت، لكنها فتحت على نفسها وسياستها ومصالحها عشرات الجبهات التي لا يمكن بأي حال أن تفرح المواطن الأوروبي، ولا أن تخدم مصالحه وتطلعاته، وساسة أوروبا يدركون ذلك، ويعلمون علم اليقين أين هي مواطن الوجع فيها، وهي التي لم يعد بمقدورها في «أرذل العمر» احتمال المزيد من الأوجاع. |
|