تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


آثار مشكلة نقص الإسمنت في السوق المحلية... انتعاش في السوق السوداء وأسعار فلكية وحاجة ملحة لتدخل الحكومة

مراسلون
الأربعاء 15/6/2005م
هثيم يحيى محمد

من الخطأ الفادح أن نطلق على نقص مادة الاسمنت في السوق السورية ( أزمة) وحسب.. إنها مشكلة حقيقية اجتماعية واقتصادية من خلال المساهمة في خلق ( جيش) من المزورين..

والمفسدين.. والسماسرة.. والمستغلين في مجالس المدن والبلدان والبلديات.. ومديريات الخدمات الفنية.. ومكاتب المهندسين.. ومديريات العمران والشركات .. والجمعيات.. والمتعهدين.. الخ فالكثير ممن يعملون في هذه الجهات وغيرها باتوا منغمسين في الأخطاء‏

والارتكابات التي تؤدي إلى تسريب كميات كبيرة من الاسمنت إلى السوق السوداء لتباع للمواطن العادي بأسعار خيالية تزيد بنحو الضعفين عن السعر الرسمي ولاسيما إن كافة السبل سدت بوجه هذا المواطن الذي حجبت عنه أية كمية مهما كانت قليلة (5أو10او 20 كيسا مثلا) لاجراء صيانة أو ترميم في منزله إلا بموجب رخصة ومخططات ورسوم لنقابة المهندسين.. الخ والذي لا يعطى أية كمية حتى في حال الترخيص قبل ستة أو سبعة أشهر تلي تقديم طلبه!!‏

والحقيقة لا يمر يوم من أيام الاسبوع إلا ويراجعنا مواطنون لطرح معاناتهم النفسية والمادية عند محاولتهم تأمين أية كمية من الاسمنت الأسود عن طريق مؤسسة العمران.. ويكاد لا يمر اجتماع حزبي أو شعبي أو رسمي إلا وترتفع فيه أصوات تطالب بمعالجة مشكلة الاسمنت وتوفيرها للمواطن والجهات الاخرى عند الطلب مباشرة بعيدا عن التعقيدات .. وبعيدا عن الأسعار ( السوداء).. وعن هدر وقت المواطن.. وحرق أعصابه!!‏

ورغم ان بوادر الأزمة ظهرت منذ بداية العام الماضي.. ورغم معرفة الجهات المعنية بمدى الحاجة المتزايدة لهذه المادة فإنها لم تتخذ الاجراءات الكافية لتأمين الفارق بين الحاجة والانتاج المحلي لذلك حصلت الأزمة المشكلة وتفاقمت ولاسيما إن الكميات التي يتم استيرادها من قبل القطاع الخاص مرتفعة الثمن جدا مقارنة بأسعار الدولة اضافة لبعض الشكوك المتعلقة بمواصفاتها.‏

لن نطيل اكثر وسوف نتحدث في هذه المادة الصحفية عن ( مشكلة) الاسمنت بأسبابها ونتائجها وتداعياتها على صعيد محافظة طرطوس كنموذج عن بقية المحافظات السورية رغم أن الازمة المشكلة قد تكون اكبر في تلك المحافظات.‏

بداية نشير إلى أن الكميات المطلوبة من مادة الاسمنت الاسود عن طريق مؤسسة عمران تزداد يوما بعد آخر والدليل أن الكميات المطلوبة منذ بادية العام الحالي وحتى نهاية ايار الماضي بموجب رخص نظامية ومستندات رسمية ( متعهدين- مرخصين- حرفيين- جمعيات- قطاع عام ) وصلت ل¯ 450 ألف طن وهذه الكميات تزداد يوما بعد آخر وبالتالي فمن المتوقع أن تصل لنحو 700 ألف طن حتى نهاية العام أو اكثر بينما كانت الكميات التي بيعت خلال الاعوام الماضية عن طريق مؤسسة عمران طرطوس كما يلي:‏

عام 2001 ( 353.5) ألف طن و 2002/399 ألف طن و2003/430 ألف طن و 2004 /402 ألف طن وطبعا هذه هي الكميات المتاحة في ضوء انتاج شركة اسمنت طرطوس وما يخصص منه لمحافظة طرطوس 20% وبالتالي هناك عجز كبير في المادة سيترك مشكلات عديدة تنعكس سلبا على المواطن بشكل خاص والجهات المحتاجة بشكل عام.‏

بداية الاسبوع الحالي ونتيجة تفاقم المشكلة توجهنا إلى فرع عمران بطرطوس لمناقشة المشكلة من كافة جوانبها.. وهناك لاحظنا مدى الإزدحام.. والحشود المتجمعة منذ الصباح الباكر عند مركز بيع الاسمنت ,هذه الحشود التي تضم ممثلي شركات القطاع العام والمتعهدين والحرفيين والمواطنين المرخصين والسماسرة وتجار السوق السوداء الذين يعقدون الصفقات المباشرة ويشترون من هذه الجهة أو تلك ويذهبون ليتحكموا بالمواطن المحتاج والذي لا طاقة له بتحمل العذابات والانتظار الطويل.. ويمكن القول ان الفوض تدق اطنابها هناك كل صباح, وان ذلك المنظر يجب أن ينتهي إلى الابد لانه يعكس أحد الاساليب المؤدية إلى الفساد!!‏

المهم دخلنا المؤسسة وجلسنا مطولا مع مديرها ( حسن قشعور) وناقشناه بالكثير من الامور علنا تصل الى تصور مشترك لأسباب المشكلة وحلولها.. وللتخفيف ما أمكن من السوق السوداء ريثما يتم توفير المادة بشكل كاف..‏

في بداية اللقاء تحدث لنا السيد قشعور عن الضغوط النفسية التي يتعرض لها هو والعاملون في المؤسسة نتيجة النقص في المادة ونتيجة الازدحام الكبير.. والوساطات و..الخ وقال مشكلة نقص الاسمنت خلقت خللا اجتماعيا كبيرا.. وانتجت مفسدين ومزورين كثر.. وبات هناك جيش من السماسرة والمستغلين.. ورافق ذلك تراجع في توفير فرص العمل في قطاع التشييد والبناء على الرغم من النمو الذي يشهده..‏

وردا على سؤال يتعلق بدور مؤسسة العمران بهذه المشكلة وفي تسرب كميات للسوق السوداء قال: الكميات المخصصة لنا من انتاج شركة اسمنت طرطوس هي 20 % يوميا أي بحدود 700 طن يوميا ومنذ اسبوع ارتفعت مخصصاتنا إلى نحو 1000 طن يوميا وهذه الكميات أقل من الطلبات بكثير.. وبالنسبة للبيع فنحن لا نبيع أية كمية بموجب الهوية أو دفتر العائلة كما كان يحصل قبل 13/9/2004 وانما بموجب مستندات ورخص نظامية صادرة عن جهات رسمية وتنتهي مسؤوليتنا عند حدود ذلك.. أما فيما يتعلق بوصول كميات إلى السوق السود اء فيعود إلى وجود كميات زائدة في كل رخصة تضعها البلديات والمهندسون حيث يتم بيعها للتجار و السماسرة على مايبدو.. كما أن قسما من الحرفيين وبدل تصنيع البلوك بمخصصاتهم من الاسمنت يبيعون الكميات التي يستلمونها لانها تحقق لهم ربحا أكبر.. وهكذا بالنسبة لبعض المتعهدين في مختلف القطاعات ( عام- خاص- تعاوني)!!‏

وعندما قلنا له ان بعض أصحاب الرخص يأخذون كميات الاسمنت المخصصة مرتين.. مرة من خلال المجابل الآلية التي يلجؤون إليها لصب ابنيتهم ومشاريعهم.. ومرة من خلال مركز مؤسسة العمران لعدم وجود تنسيق أو آلية جيدة بين المؤسسة وبين مجابل القطاعين العام والخاص.. وبالتالي فإنهم يبيعون ما يحصلون عليه من اسمنت في المرة الثانية بالسوق السوداء أجاب: قبل نحو عشرين يوما من الأن كانت المجابل تأخذ الاسمنت الذي تطلبه ( وفق طاقتها) ولم تكن تبلغنا بالاشخاص أو الجهات الذين اخذوا منها مجبولا رغم كتبنا العديدة الموجهة لها عن طريق السيد المحافظ وبالتالي كان ذلك يساهم في خلق سوق سوداء فعلا.. لكن منذ عشرين يوما وحتى الان ترسل لنا فاكسات باسماء المرخصين الذين اخذوا مجبولا اسمنتيا منها مع رقم الدفتر والرخصة ونحن بدورنا نقوم بتدوين الكميات على دفتر كل متعامل وذلك باشراف ومراقبة من رئيس دائرة الرقابة الداخلية.. لكن بقيت مؤسسة الاسكان العسكرية خارج اطار التعاون معنا حيث تقوم بتقديم مجبول لمراجعيها دون اعلامنا بهم !! وبالتالي مازالت هناك ثغرة يجب معالجتها من خلال التزام فرع مؤسسة الاسكان العسكرية بتعليمات السيد المحافظ التي توجب على كل شركة تملك مجبلا للبيتون اعلام المؤسسة باسماء الذين يأخذون مجبولا منها حتى لو كانت تؤمن اسمنتا من معمل المؤسسة بحلب.‏

وعندما اقترحنا على السيد المدير وضع آلية جديدة تكون اكثر نجاعة من الآلية المتبعة بالنسبة للمجابل بحيث يتم احالة الراغبين بأخذ مجبول عن طريق المؤسسة بعد تسجيل الكميات على دفتر المتعامل وعلى ضوء ذلك تخصص المجابل بكميات الاسمنت قال: سبق وطالبنا بذلك ولم يستجب لطلبنا ومع ذلك سوف نعد نموذجا ونوجه كتابا للسيد المحافظ مرفقا به لاعتماده والزام المجابل به.. وفعلا تم اعداد النموذج بنفس اليوم وتم تزويدنا بنسخة عنه على الفاكس.‏

وسألناه عن سبب الامتناع عن تزويد الجمعيات التعاونية السكنية بالاسمنت المطلوب لاكمال ابنيتها المنجزة على الهيكل ولاسيما ان مجالس المدن لاتحدد أو تجدد لها الرخص اذا كانت الابنية منجزة على الهيكل وفق القانون 1 لعام 1994 ويكتفى بكتب تبين وضع البناء وحاجته فأجاب السيد المدير: وصلنا كتاب من مجلس مدينة طرطوس منذ أيام بهذا الخصوص فقمنا بارساله إلى الادارة العامة للعمران فوجهتنا بالتقيد بتعميمها رقم 239 تاريخ 2/5/2005 وباعتبار هذا التعميم يعالج بعض الحالات من قبل السيد المحافظة فإننا ننتظر توجيهنا من السيد المحافظ لنتمكن من اعطاء الجمعيات حاجتها..‏

وبعد مناقشة هذا الموضوع الهام مع السيد المدير ومع عضو المكتب التنفيذي المختص في مجلس المحافظة تم الاتفاق على عقد اجتماع بين الجهات ذات العلاقة لرفع مطالقه مشتركة للسيد المحافظة تتضمن اقتراحات بالمعالجة الفورية ولاسيما ان الكثير من الجمعيات متوقفة عن العمل بسبب عدم بيعها الاسمنت منذ اكثر من شهرين رغم متابعات مجالس ادارتها والاتحاد التعاوني السكني بطرطوس.. ونأمل أن تكون المعالجة تمت مع نشر هذه المادة الصحفية.. مشيرين في هذا المجال إلى ان تعميم مؤسسة العمران رقم 2 لعام 1994 حدد طريقة المعالجة بشكل واضح!!‏

والسؤال ما الحل الامثل لمشكلة نقص الاسمنت?‏

يقول مدير العمران: الحل هو بتفويض مؤسسة التجارة الخارجية باستيراد كميات تغطي العجز شريطة الاعفاء من رسم الانفاق الاستهلاكي حيث يبلغ الرسم حاليا على الكيس الواحد 70 ل.س وكذلك زيادة سعر الكيس 10-15 ل.س ... والاستمرار بالسماح للقطاع الخاص باستيراد المادة بعد الغاء رسم الانفاق الاستهلاكي.‏

اخيرا‏

ونحن نقول لابد من التحرك الفوري من الحكومة لمعالجة هذه المشكلة الكبيرة بأسبابها ونتائجها أذ لايجوز أن تستمر مهما كانت الظروف نظرا لما تتركه من نتائج خطيرة على الاقتصاد والمجتمع من كافة الجوانب..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية