تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المشرف المحلي على التدريب المستمر في حمص : التعلم التعاوني .. تواصل اجتماعي بعلاقات إنسانية

مجتمع
الأربعاء 15/6/2005م
مها حبو

إن طبيعة العصر الراهن, عصر التفجر المعرفي, والتقدم التكنولوجي, والتغيير الدائم والسريع, عصر الانفتاح على المجتمعات المختلفة, بات يتطلب إعداد الإنسان المتعلم للحاضر والمستقبل.

وهذا يقتضي تعديل مناهجنا التربوية, وتطوير مفهوماتها وتنظيماتها. وقد أجمعت البحوث التربوية على أهمية التعلم التعاوني, وإيجابياته, في العديد من المجالات التي تهدف إليها العملية التعليمية, حيث بينت دوره في الجوانب التحصيلية والاجتماعية.وأثبت جدواه في التخصصات كافة.‏

وحيث إن فلاسفة التربية الطبيعية يدعون إلى انفتاح المدرسة على المجتمع,لأن الفرد يحتاج للجماعة, كجزء ضروري لخبراته التعليمية. وبما أن المدرسة هي المؤسسة التربوية الأكثر أهمية وتأثيراً في بناء الإنسان وصناعته, فإن من أهم وأخطر المهام التي يجب أن تقوم بها, هو بناء جيل حضاري ديمقراطي,تشاركي, تعاوني, وهذا يفترض تغيير نموذج التعليم التقليدي إلى نموذج يؤكد على مشاركة التلاميذ الفعالة في اكتساب الخبرات والمعلومات. كما يفترض تغيير غرفة الصف التقليدية إلى مجتمع تعاوني مصّغر, تسوده علاقات التواصل الاجتماعي, وأخيراً يتطلب معلماً مؤهلاً قادراً على إرشاد التلاميذ, وتدريبهم على المهارات الاجتماعية التي تحسن سلوكهم الاجتماعي في غرفة الصف..‏

فما هو التعليم التعاوني.. وما خطوات تنظيمه.. وأين تكمن فوائده وعوامل نجاحه.. وما الصعوبات التي تواجهه.. والمقترحات التي يمكن أن تذلل هذه الصعوبات?‏

المشرف المحلّي على التدريب المستمر في حمص, مهاحّبو,أجابت عن الأسئلة المطروحة أعلاه, في مساهمة منها في مجال عملها التربوي, الذي يبحث دائماً عن سبل التطوير, ويرسم خطط العمل على تحقيق التقدم في تحديث الأهداف والاستراتيجيات, بالقول في دراسة تربوية نوعية, قدمتها مشكورة إلى صفحة المجتمع عن التعليم التعاوني (تعريف واقتراحات) .‏

قبل الحديث عن نموذج التعلم التعاوني الذي يحقق آثاراً إيجابية في نشوء علاقات إنسانية تعاونية, لا بد أن نفرق بين التعليم و التعلّم فالتعليم هو: أسلوب تقليدي يقوم على التلقين المباشر من قبل المعلم, ويعتمد على حشو أذهان التلاميذ بالخبرات والمعلومات والحقائق الجاهزة, يركّز على علاقة أحادية الجانب من المعلم إلى التلاميذ. أما التلميذ فهو متلق للمعلومات دون أن تكون له مشاركة فعالة في اكتسابها, يخّزن المعلومة في ذاكرته ليسترجعها في الامتحان, وبذلك لا تنفذ نتائج هذا التعليم إلى سلوكه, ولا تترك آثاراً إيجابية في تشكيل تطوره المعرفي.‏

والتعلم: مجهود شخصي ونشاط ذاتي يصدر عن المتعلم ليكتسب مهارات ومعارف, ويكوّن قيماً ومواقف. إنه يضطلع بمسؤولية تعّلمه على أساس من دافعيته الذاتية, فيتعلم بواسطة الاكتشاف والحوار, وعن طريق العمل المشترك بفاعلية مع الآخرين في سياق مناشط تعاونية, وبهذا يقتصر دور المعلم ليصبح مرشداً وموجهاً وميسراً لعملية تعلم التلاميذ كي يتحقق التواصل الفّعال بينه وبينهم من جهة, وبين التلاميذ وبعضهم الآخر من جهة ثانية وذلك عن طريق المشاركة الجماعية, ويعد التعلم التعاوني النموذج الأمثل لتحقيق هذه الغاية. فما التعلم التعاوني?‏

تعريف‏

هو طريقة في التدريس تتضمن عملاً مشتركاً بين مجموعة صغيرة من الطلاب من مستويات تعليمية واجتماعية مختلفة. ويسعى أعضاء المجموعة لتحقيق الأهداف الجماعية الموحدة, وتحقيق أقصى تعلّم بالنسبة للفرد والآخرين في المجموعة. وحتى نفهم هذا التعريف لا بد من العودة إلى الجذور التاريخية للتعلّم التعاوني, والخوض في النظريات التي تناولت التعلم التعاوني وهي كثيرة ومتنوعة, فنظرية المدخل السلوكي تركز على المكافأة الجماعية المعتمدة على العمل الجماعي لأنها تخلق تشجيعاً وحافزاً داخلياً عند كل فرد من أفراد الجماعة, ونظرية المدخل المعرفي لها نصيب وافر في التعلم التعاوني. إنها تؤكد على أهمية التعاون الاجتماعي بين التلاميذ في المدرسة. ذلك أن التعاون يخرجهم من التمركز حول ذواتهم. ويمكنهم من التوصل إلى وجهات نظر مختلفة بسبب مايثيره من تفاعل اجتماعي ومن تبادل للخبرات والمعارف المتنوعة, وقد وضّح(فيغوتسكي): أهمية العلاقة بين التفاعل الاجتماعي والتطور المعرفي حيث ذكر أن تعلم الفرد يفترض طبيعة اجتماعية وتقدماً معرفياً للأطفال من خلال الحياة الفكرية والطبيعة العقلية للأفراد وتتأتى نظرية المدخل الإنساني التي تؤمن بأن للتعلم التعاوني آثاراً إيجابية فاعلة في تحصيل التلاميذ وفي نشوء علاقات إنسانية بينهم كما تؤكد في منطلقاتها وأفكارها الرئيسة بأن التعلم التعاوني يحتاج إلى استعداد التلاميذ إلى العمل الجماعي بصورة فاعلة وأنهم كلما استطاع المعلم استخدام استراتيجيات التدريب على المهارات الاجتماعية تحسن سلوك التلاميذ الاجتماعي في غرفة الصف.‏

خطوات تنظيم‏

وعن خطوات تنظيم التعلم التعاوني تقول الباحثة التربوية مها, التعلم التعاوني ليس عملاً ارتجالياً بل هو يحتاج إلى التخطيط والتنفيذ واتخاذ الإجراءات والتقويم كما يتطلب الأخذ بعين الاعتبار دافعية التلاميذ وتحديد أنواع النشاطات التعاونية التي ينبغي أن يقوموا بها لتحقيق التعاون الفعال وهناك ثلاثة أقسام رئيسية لتنظيم التعلم التعاوني يتفرع عن كل قسم عدة خطوات إجرائىة ينبغي على المعلم القيام بها وهي:‏

أولاً: صوغ الأهداف وصناعة القرار: وتتضمن الخطوات الإجرائىة التالية:‏

1- تحديد الأهداف التعليمية للدرس‏

2- تقسيم المتعلمين إلى مجموعات صغيرة.‏

3- ترتيب غرفة الصف .‏

4- تخطيط المواد التعليمية لتعزيز الاعتماد المتبادل ( التآزر).‏

5- تعيين الأدوار بما يكفل الاعتماد المتبادل ( التآزر).‏

ثانياً: تنظيم المهمة والاعتماد المتبادل ويتطلب ما يلي:‏

1- شرح المهمة التعليمية للمتعلمين.‏

2- بناء التآزر الإيجابي الموجه نحو الهدف .‏

3- بناء المحاسبة الفردية(المسؤولية الفردية).‏

4- بناء التعاون بين المجموعات.‏

5- شرح معايير النجاح.‏

6- تحديد السلوك المرغوب.‏

ثالثاً: المراقبة والتدخل والتقويم:‏

1- مراقبة سلوك المتعلمين.‏

2 - تقديم المساعدة لهم للقيام بالمهمة.‏

3 - التدخل لتعليم بعض المهارات التعاونية وحل المشكلات.‏

4 - تقويم نوعية تعلم المتعلمين وكميته.‏

5 - تقدير درجة جودة قيام المجموعة بوظيفتها.‏

عوامل النجاح‏

وعن عوامل نجاح التعلم التعاوني استأنفت الباحثة القول :‏

لكي يتحقق التعلم التعاوني كما ينبغي ولكي يعطي ثماره المرجوة يجب مراعاة بعض الجوانب المهمة عند استخدامه:‏

1 - أن تكون مجموعات الطلاب غير متجانسة من حيث الجنس والعرق والسلالة والمعرفة ومستوى القدرات للتحصيل وأن يتراوح عددهم من ثلاثة إلى ستة .‏

2 - أن تحدد المسؤوليات الفردية بحيث يتحمل كل فرد في المجموعة مسؤولية إتقان المادة التعليمية المقررة مع دعم أعضاء المجموعة بعضهم لبعض للمساعدة على تحقيق المهمة الرئيسة أو المهمات الفرعية لكل عضو في المجموعة.‏

3 - أن يحدث التفاعل والنقاش وجهاً لوجه في المجموعة.‏

4 - أن يتم التواصل الجيد بين أعضاء المجموعة الواحدة بحيث يكتسبون مهارات التعامل الاجتماعي الحسن ( احترام آراء الآخرين والعمل بهدوء وعدم ازعاج الآخرين ¯ التعبير عن الرأي الشخصي بوضوح وحرية ¯¯ عدم مقاطعة الآخرين ¯¯ تقديم المعونة لمن يطلبها ¯ نقد العمل لا نقد صاحبه ¯ تقبل نقد الآخرين للأفكار ¯ الابتعاد عن الأنانية ¯ المرونة في الاتفاق على الأفكار المشتركة).‏

5 - أن يسير التعلم التعاوني ضمن جو يسوده الهدوء .‏

6- أن نحدد الوقت اللازم الذي يجب أن تنجز فيه المجموعات أعمالها.‏

7 - أن تتم مكافأة المجموعات المتفوقة.‏

صعوبات‏

وعن الصعوبات التي تواجه التعلم التعاوني ومقترحات تجاوزها أضاف المشرف المحلي على التدريب المستمر القول:‏

لاستخدام طريقة التعلم التعاوني صعوبات يجب على المعلم أن يواجهها بحكمة ودراية وهي :‏

1- ارتفاع وتيرة الضجيج والفوضى إلى حدود غير مقبولة ما يهدد الجو التعليمي .‏

2 - استهلاك الوقت الذي يتطلبه التعلم التعاوني ما يؤدي إلى التقصر في تنفيذ المقرر بأكمله.‏

3 ¯ ضيق مساحة الصفوف مع كثرة أعداد الطلاب في الصف الواحد.‏

4 - عدم توفر الأثاث اللازم من الكراسي والطاولات .‏

5 -عدم حصول المعلمين على التدريب الكافي لاستخدام التعليم التعاوني .‏

ونقترح لتجاوز هذه الصعوبات:‏

1 - حصول المعلمين على التدريب الكافي لاستخدام التعلم التعاوني وقد يحتاج تدريبهم كما أثبتت الدراسات الحديثة فترة ثلاث سنوات ليتمكنوا من استخدامه بشكل فعال ومتطور .‏

2 - تخفيف عدد الطلاب في الصفوف المزدحمة ليتسنى لهم المشاركة الفعالة.‏

3 - شرح فوائد التعلم التعاوني للطلاب واطلاعهم على خطوات تنفيذه حتى يتعاونوا مع المعلم على إنجاح هذه الطريقة.‏

4 - توفير الوسائل التعليمية وتهيئتها التي تساعد على إنجاح طريقة التعلم التعاوني.‏

5 - عرض نماذج تطبيقية لدروس محضرة بطريقة التعلم التعاوني بالتلفاز أو الحاسوب ليتسنى للمعلمين والمتعلمين الإفادة منها.‏

6 - إدخال طريقة التعلم التعاوني في مقررات معاهدنا وكلياتنا التربوية..‏

وأخيراً: تقول الباحثة التربوية مها حبّو, فوائد التعلم التعاوني, ومكتسباته على المدى المستقبلي:‏

تعد طريقة التعلم التعاوني, من الطرق التدريسية الأكثر شيوعاً في الوقت الراهن في الدول الغربية, نظراً لما تتمتع به من خصائص جيدة,ولما لها من مكتسبات إيجابية يمكن أن يجنيها المتعلم, ويمكن حصر بعض هذه المكتسبات بما يلي:‏

1 - يؤدي التعلم التعاوني إلى خلق حلول وأفكار جديدة.‏

2 - يساعد على نقل أثر التعلم من موقف لآخر.‏

3 - يساعد على الارتقاء بمستويات التفكير إلى مستويات أعلى.‏

4- يساعد على الارتقاء باستراتيجيات التسلسل المعرفي.‏

5 - يؤدي إلى زيادة دافعية المتعلم للتعلم.‏

6 - يهدف إلى زيادة حدوث التواصل الاجتماعي بين المتعلمين.‏

7 - يهدف إلى بناء العلاقات الإيجابية مع الطلبة,الذين يتحدرون من طبقات اجتماعية مختلفة ومن خلفيات متنوعة.‏

8 - يهدف إلى بناء اتجاهات إيجابية من خلال العمل الجاد مع الآخرين.‏

9 - يهدف إلى إكساب المتعلم القدرة على تنظيم وقته.‏

10- يحقق التكامل بين التعلم النظري والاجتماعي.‏

11- يعزز التفكير الإبداعي والابتكاري المتميز.‏

وختاماً : وهذا الأهم ¯ يخلق اتجاهات إيجابية تجاه المادة العلمية والمعلم والإدارة المدرسية كما يعزز الثقة بالنفس, وفهم الذات, ويشجع على التعلم الذاتي, بالعودة إلى مراجع ومصادر خارج الكتاب المدرسي ¯ أضف إلى ذلك كله انفتاح المدرسة على المجتمع,فالتربية في المحصلة¯ كما يقول ديوي في كتابه (الديمقراطية والتربية عملية اجتماعية) ولما كان هناك أنواع كثيرة من المجتمعات فإن المعيار الذي به نشيد صرح كل بناء في التربية, يفترض وجود معيار اجتماعي...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية