|
معاً على الطريق بل بين الذين يتألمون وأولئك الذين يفرحون. الأعياد كما تزهر بالأفراح فإنها أيضاً تمتلىء بالجراح.. فعيد الميلاد مثلاً.. ميلاد السيد المسيح عليه السلام يأتي مثقلاً بالرماد في موطن المسيح نفسه.. وفي بيت لحم مهده.. وفي القدس والناصرة.. وكل تلك البقعة المباركة التي كانت بتعاليمه عامرة.. فلا الكنائس تأخذ بهجتها تحت كابوس الاحتلال.. ولا تراتيل الملائكة وأصوات المنشدين تمسح من الذاكرة زخم الرصاص ودوي المدافع والقنابل والاعتقالات والاغتيالات. هل يمكن أن تنسى تلك الأيام السوداء التي اخترقت فيها قدسية كنيسة المهد في بيت لحم عندما تحولت إلى سجن ومعتقل وحصار للتجويع والترويع? وهل يمكن أن تنسى تلك الأوقات الصعبة التي مرت وتمر على القدس والناصرة والخليل وحتى على قانا والجليل وهي تنوء بالأثقال من جراء الاحتلال? لكن الفرح يجب أن يتسلل ولو خجلاً إلى نفوس الأطفال الأبرياء.. يحمل لهم مع رجل الهدايا الأبيض ألعاباً وحلوى وضحكات.. فيها النسيان أو السلوى.. بينما في بلاد لم تعد تعرف من المسيح إلا شجرة ميلاد تضج بالزينات والأضواء. وإلا هدايا تذكارية تتوزع بين الأهل والأصدقاء.. فهل أعيادهم أعياد.. أو أنهم قد حولوا المسيح إلى عيد لهم يرسمونه كما يريدون من دون أي لمحة أو خاطرة عن المسيح نفسه ولو كانت عابرة. ثم يأتي عيد رأس السنة.. فأي مقياس تقاس به السنة.. تلك التي مضت أو الأخرى التي ترسل أشعتها الأولى لتدخل في الحسبان في أي مكان? هل هو رأس سنة واحدة موحدة في عالم يتقلب بين الفقر والغنى وبين سفك الدماء وضجيج الأبرياء? وأين غير الأبرياء من الذين يسهرون ويصخبون ولا يعرفون إلا متعة اللحظة.. لحظة الابتداء لعام جديد سيحمل لهم كل ما هو جديد? لقد غدا لرأس السنة ألف ألف رأس ولون يملأ المساحات الشاسعة لهذا الكون مادام قد اصطلح على هذا اليوم بداية وغاية. أما عيد الأضحى أقدس الأعياد في الإسلام فكيف يأتي هذا العام وأجزاء كثيرة من أوطاننا العربية والإسلامية فيها الضحايا أكثر من الأضاحي? كيف يأتي الفرح إلى هذا العيد والتهديدات والمظالم تحاصر هذه الأمة من كل جانب? ومع هذا تحاول الذاكرة العربية والإسلامية أن تستجمع عنفوانها وصلابتها ورسوخ عقائدها لتنثر أزاهير الفرح على أجيالها.. ولتسعد صغارها حتى ولو بلقمة فقيرة.. أو لعبة صغيرة.. وربما بنقود قليلة تفعل هذا وهي تنثر الدمع على من رحلوا.. ومن هم في الأسر أو في السجون احتجزوا.. أو الذين يرتجفون خوفاً كلما روعهم صوت بانفجار ينذر بالموت. لكن الذي يؤلم أكثر.. ويجرح القلب أكثر.. أن التضاد ليس أصيلاً في هذه البلاد أو بين هؤلاء العباد..بل هو غبار شيطاني ما أسرع ما يغمر أبناء الوطن الكبير الواحد أو البلد الصغير الواحد.. فيغدو بعضهم ضد البعض الآخر.. وكأنهم يساعدون العدو على تحقيق أهدافه.. وكأن كلاً منهم قد نسي روابطه الأصيلة منذ آبائه وأجداده وأسلافه. إذا كانت الأعياد لا تحمل الرضى والتسامح والمحبة والتواد فكيف تمر شموعها وأنوارها بين الأضداد? فكيف يمكن أن تطغى الأفراح على الأحزان? وكيف يمكن أن يقول أحدنا للآخر: كل عام وأنت بخير وهو لا يرى في الأفق بشائر الخير? |
|