|
مراسلون وتحقيقات وفي أوساط الرأي العام حول الحصاد الفعلي والحقيقي للتنمية الإدارية أو الإصلاح الإداري بمعانيه المختلفة, وكان من الواضح أن هذا الجدال كان قد حسم وإن بلغة مضمرة على أن هذا الإصلاح لم يكن حصاده سوى القبض على الريح أو المراوحة في المكان في أحسن الأحوال. والوصول إلى هذه النتيجة ليس مجرد رغبة يعلن عنها كاتب هذه السطور, وإنما سبق لأكثر من مسؤول رسمي وفي موقع متقدم الإشارة وفي غير مناسبة إلى استياء القائمين على المؤسسات الرسمية من عدم التمكن في إحداث إصلاحات ملموسة في هذا الجانب, كما أن لسان حال الناس العاديين سواء بلغة معلنة أو مضمرة أوضح ومن خلال لقاءات صحفية نشرتها المنابر الإعلامية المحلية, أن مصطلح التنمية الإدارية شهد خلال السنوات الأخيرة حضوراً على مستوى القول, لكنه لم يرق إلى مستوى الفعل في المؤسسات الرسمية التي تستلزم تبدلاً في آليات العمل الإداري , حتى أن الذين استهوتهم الكتابة وبكثافة عالية ولافتة حول إمكان النهوض إدارياً في مؤسساتنا, هؤلاء وعلى ما يبدو استمرؤوا هذا الحديث الجديد الذي لم تعهده غالبية الناس من قبل, فأخذتهم الرغبة فيما بعد إلى المبادرة إلى تنظيم الندوات واللقاءات, وكأن الأمر لا يعدو أكثر من وسيلة للظهور في المنابر الإعلامية ومحاولة كسب رضى بعض المسؤولين في الحكومة. غير أن كل هذه الجهود من جانب البعض لمحاولة تجميل الوجه المتخلف لحقيقة الواقع الإداري, من الواضح أنها لم تفلح في طمس الحقيقة وتغييبها, ذلك أن آليات العمل الإداري وبأدواته القديمة والمتخلفة تواصلت ولم تتبدل, ولغة التسويف والمماطلة في إنجاز المعاملات الرسمية تفاقمت وازدادت تعقيداً بدلاً من الانحسار, كما أن ما يقال ويشاع في هذه المؤسسة أو تلك على أن النافذة الواحدة باتت واقعاً قائماً يوفر على الناس الجهد والزمن, أيضاً هذه النافذة لم تكن سوى مبادرة المؤسسات في الإعلان عن مناقصات لشراء أعداد كبيرة من أجهزة الحاسوب وجعلها مركونة على طاولات ومكاتب الموظفين كما لو كانت (للعرض) أو الزينة لا أكثر. وفي مواجهة مثل هذه الحقيقة التي يمكن تلمسها وبكثير من الوضوح في المؤسسات الرسمية, فإن على الحكومة السعي في الوقت الحاضر لإعادة تقويم الأداء وبذل الجهود للاستفادة من الأخطاء والمعوقات التي مازالت تمنع هذه التنمية الإدارية من التحول إلى واقع مشخص بعيداً عن ساحة النوايا والشعارات... وباعتقادنا إذا كان ثمة نوايا تأخذ بمفهوم الفعل وليس القول, فإن على الحكومة الاعتراف أولاً, بأن ثمة ضرورة تستوجب مناقشة مكامن الضعف في هذا الجانب والأسباب التي تجعل قاطرة الإصلاح الإداري تبقى في محطتها الأولى ودون أن تتحرك. وقد يسأل البعض من الذين لا يستهويه أو يعجبه هذا التوصيف لواقع حال الإصلاح الإداري... ولكن ما الذي يشبع رضى المواطن للوصول إلى تنمية إدارية فعلية ومتى يعترف هذا المواطن بالجهود التي تبذلها الحكومة في هذا الجانب?! للإجابة على هذا السؤال والذي لا يخلو من البساطة يمكن القول: مادامت مظاهر الروتين والبيروقراطية تزداد اتساعاً وحضوراً ولا تنجز معاملات المواطنين بكثير من التعقيد, فإن ذلك يعني أن الإصلاح لم يدق أبواب المؤسسات ,والأنماط القديمة والبالية في الإدارة تستمر على حالها, وللدلالة على هذا الكلام يمكن الإشارة إلى أمثلة جاءت على ذكرها بعض وسائل الإعلام المحلية من خلال إعداد بعض ( الريبورتاجات) السريعة خلال الصيف الحالي الذي يكاد يطوي أيامه الأخيرة. وفي هذه الأمثلة, إن المواطن العادي الذي يتوجه إلى الدوائر الحكومية بهدف إنجاز معاملة بعينها, مازال يشكو ويتأفف ويظهر الاستياء وعدم الرضا حتى إن انتعاش ظاهرة اللجوء إلى معقبي المعاملات هي بمثابة برهان لا يقبل الشك أو الجدل على ازدياد التعقيدات الإدارية, ومن الأمثلة الأشد تماسكاً مع حقيقة التعاطي في المؤسسات فإن المصادقة على وثيقة عادية من القصر العدلي بدمشق, بحاجة لتبديد مايزيد على الساعتين.. ويمكن انجازها بدقائق في حال, دفع المعلوم لبعض العاملين أو المستخدمين في أروقة القصر العدلي, وبالمناسبة, فإن هناك الكثير من الأساليب ( والسيناريوهات) التي باتت مكشوفة للعيان بهدف الافتعال وعن قصد حالة الاحتشاد و(الجمهرة) والتي بات يتفنن البعض في صناعتها والترتيب لها,... وأيضاً الحصول على قيد عقاري من المصالح العقارية في دمشق أو سواها من المحافظات يستدعي الانتظار لمدة زمنية لا تقل عن الثلاثة أو أربعة أيام, في حين وكما هو حال الوثيقة في القصر العدلي, هناك من ينجزها بأقل من نصف ساعة.., وأما في حال الحديث عن انجاز معاملة (حصر إرث) أو الحصول على (رخصة بناء) وسواها من المعاملات التي يطلق عليها بأنها معقدة, فهذه تستوجب تبديد مدة زمنية تبدأ من الشهرين وما فوق في أحسن الأحوال. والأمر البديهي أن التنمية الإدارية لا تتمثل فقط في سرعة انجاز وثيقة أو معاملة, وهي أيضاً لا تنحصر في آلية التعاطي بين المؤسسات والأفراد, ولا حتى في تجسيد أمثل لتجربة النافذة الواحدة التي لم تر النور سوى على الورق, وإنما هي عملية نهوض متكامل وتبدل جذري في آليات العمل الإداري الذي يؤدي تدريجياً إلى التخلص من مظاهر الروتين والبيروقراطية والمعاملات الورقية بكافة أشكالها. ولتوضيح هذه النقطة الأخيرة, فإن الكثير من المواطنين يتندرون اليوم وبكثير من السخرية, أن معاملة بسيطة وقد لاتحتاج سوى إلى ابراز الهوية الشخصية, قد تستلزم إحضار ما يزيد على عشر وثائق ورقية من أكثر من جهة رسمية, هذا إلى جانب ( مصنف السحاب) والأعداد الكبيرة من الطوابع والأختام, وللدلالة على ذلك, فإن انجاز معاملة تملك لمنزل تستلزم أكثر من نصف دزينة من الأوراق, وهي بحاجة لانتظار موافقة بعض الجهات لمدة زمنية لا تقل عن الشهرين وهي قد تأتي مع الموافقة وقد لا تأتي أبداً. وبمنأى عن كل ذلك نعود إلى نقطة جوهرية, سبق وأتينا على ذكرها وعلى عجل, ومفادها, أن مقياس نجاح هذه التنمية ليس مرهوناً في إحداث تغيير في آليات العمل اليومي بين المؤسسات والأفراد, وإنما لا بد من نجاحها في الأداء اليومي للمؤسسات التي تسهم وبشكل مباشر في رفع وتائر النهوض التنموي والاقتصادي والخدمي, فبعض المؤسسات إن لم نقل غالبيتها لم تتمكن في السنوات الأخيرة من توظيف الاستثمارات الواردة في بند الانفاق الاستثماري بسبب تراكم العجز الإداري, فبعض المشاريع تتوقف عن العمل بسبب تعقيد التعاملات المصرفية أو التلكؤ في إصدار قرار من هذه الجهة الرسمية أو تلك, ومناقصات كثيرة يعلن عنها وتلغى أكثر من مرة نتيجة الاكتشاف المتأخر لبعض الأخطاء الإدارية أو القانونية في دفتر الشروط أو لأسباب أخرى ناجمة عن غياب الكفاءات التي تناط بها مسؤولية صوغ خطط وبرامج بعض المؤسسات. واقع الحال يقول: إن ثمة ضرورة تستدعي من الحكومة, إعادة تقويم تجربة الإصلاح الإداري, والتقويم الذي يتطلع له المواطن العادي لا يعني عقد الاجتماعات وتنظيم الندوات والمضي بسياسة الوعود, وإعادة انتاج الخطط والبرامج الجذابة, وذات المضمون اللغوي المعسول, وإنما لا بد من خطة عمل واقعية تقوم على الشفافية التي تأخذ بمفهوم المساءلةوالمحاسبة, وأيضاً يتعين مطالبة هذا المسؤول أو ذاك بإنجازات محسوسة وقابلة للقياس ومعرفة جوانب النجاح والتقصير في آن, وبدورها فإن الشفافية التي ندعو إلى تجسيدها ستكون بحاجة إلى الأساليب الحديثة في الإدارة, وهذه الأساليب أو التقنيات بدورها لن تكون كافية دون العثور على كفاءات قادرة على تطبيق منهج التخطيط العلمي في متابعة واتخاذ القرارات, مايعني أن مقولة ( الإنسان المناسب في المكان) هي التي يفترض تكريسها للوصول إلى مانصبو إليه... وما أبعدنا عن تلك marwanj@ureach.Com ">المقولة.! marwanj@ureach.Com |
|